كما يشير إليه كلام مولانا الشيخ الأكبر قدسسره في فتوحاته ، ومما ينادى على أن ما ذهبوا إليه مجرد تخيل لا تأباه الحكمة وليس مطابقا لما في نفس الأمران المتأخرين مما انتظم في سلك الفلاسفة كهرشل الحكيم وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة ، وقالوا : بأن الشمس مركز والأرض وكذا النجوم دائرة حولها وبنوا حكم الكسوف والخسوف ونحوه على ذلك وبرهنوا عليه وردوا مخالفيه ولم يتخلف شيء من أحكامهم في هذا الباب بل يقع حسبما يقع ما يقوله الأولون مبنيا على زعمهم فحيث اتفقت الأحكام مع اختلاف المبنيين وتضاد المشائين ، ورد أحد الزعمين بالآخر ارتفع الوثوق بكلا المذهبين ووجب الرجوع إلى العلم المقتبس من مشكاة الرسالة والمنقدح من أنوار شمس السيادة والبسالة ، والاعتماد على ما قاله الشارع الأعظمصلىاللهعليهوسلم بعد إمعان النظر فيه وحمله على أحسن معانيه وإذا أمكن الجمع بين ما يقوله الفلاسفة كيف كانوا مما يقبله العقل وبين ما يقوله سيد الحكماء ونور أهل الأرض والسماء فلا بأس به بل هو الأليق الأحرى في دفع الشكوك التي كثيرا ما تعرض لضعفاء المؤمنين وإذا لم يمكن ذلك فعليك بما دارت عليه أفلاك الشرع وتنزلت به أملاك الحق.
إذا قالت حذام فصدقوها |
|
فإن القول ما قالت حذام |
وسيأتي تتمة لهذا المبحث إن شاء الله تعالى ، و «المواقيت» جمع ميقات صيغة آلة أي ما يعرف به الوقت ، والفرق بينه وبين المدة والزمان ـ على ما يفهم من كلام الراغب ـ أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك في الظاهر من مبدئها إلى منتهاها ، والزمان مدة مقسومة إلى السنين والشهور والأيام والساعات ، والوقت الزمان المقدر والمعين ، وقرئ بإدغام نون (عَنِ) في (الْأَهِلَّةِ) بعد النقل والحذف ، واستدل بالآية على جواز الإحرام بالحج في كل السنة ، وفيه بعد بل ربما يستدل بها على خلاف ذلك لأنه لو صح لم يحتج إلى الهلال في الحج ، وإنما احتيج إليه لكونه خاصا بأشهر معلومة محتاجة في تمييزها عن غيرها إليه ، وإلى هذا ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ، ومناسبة الآية لما قبلها ظاهرة لأنه في بيان حكم الصيام ، وذكر شهر رمضان وبحث (الْأَهِلَّةِ) يلائم ذلك لأن الصوم مقرون برؤية الهلال وكذا الإفطار ، ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» أنه سبحانه ذكر قوانين جليلة من قوانين العدالة ، فمنها القصاص الذي فرض لإزالة عدوان القوة السبعية ، وهو ظل من ظلال عدله فإذا تصرف في عبده بإفنائه وقتله بسيف حبه عوضه عن حر روحه روحا ، وعن عبد قلبه قلبا ، وعن أنثى نفسه نفسا فإنّه كما (تِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) في قتلاكم ـ كتب على نفسه الرحمة في قتلاه ـ ففي بعض الآثار من طرق القوم أنه سبحانه يقول : من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته ولكم في مقاصة الله تعالى إياكم بما ذكر حياة عظيمة لا موت بعدها يا أولي العقول الخالصة عن قشر الأوهام وغواشي التعينات والإجرام لكي تتقوا تركه أو شرك وجودكم ، ومنها الوصية التي هي قانون آخر فرض لإزالة نقصان القوة الملكية وقصورها عما تقتضي الحكمة من التصرفات ووصية أهل الله تعالى قدس الله تعالى أسرارهم المحافظة على عهد الأزل بترك ما سوى الحق ، ومنها الصيام ، وهو قانون فرض لإزالة تسلط القوى البهيمية ، وهو عند أهل الحقيقة الإمساك عن كل قول وفعل وحركة ليس بالحق للحق والأيام المعدودة هي أيام الدنيا التي ستنقرض عن قريب فاجعلها كلها أيام صومك واجعل فطرك في عيد لقاء الله تعالى ، وشهر رمضان هو وقت احتراق النفس واضمحلالها بأنوار تجليات القرب الذي أنزل فيه القرآن ، وهو العلم الإجمالي الجامع هداية للناس إلى الوحدة باعتبار الجمع ، ودلائل مفصلة من الجمع ، والفرق ـ فمن حضر منكم ذلك الوقت وبلغ مقام الشهود فليمسك عن كل شيء إلا له ، وبه ، وفيه ، ومنه ، وإليه ، ومن كان مبتلى بأمراض القلب والحجب النفسانية المانعة عن الشهود ؛ أو على سفر وتوجه إلى ذلك المقام فعليه مراتب أخر يقطعها حتى يصل إليه