(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) والوصول إلى مقام التوحيد ، والاقتدار بقدرته (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وتكلف الأفعال بالنفس الضعيفة (وَلِتُكْمِلُوا) عدة المراتب ولتعظموا الله تعالى على هدايته لكم إلى مقام الجمع (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) بالاستقامة (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي) المختصون بي المنقطعون إلى عن معرفتي (فَإِنِّي قَرِيبٌ) منهم بلا أين ولا بين ولا إجماع ولا افتراق (أُجِيبُ) من يدعوني بلسان الحال ، والاستعداد بإعطائه ما اقتضى حاله ، واستعداده (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) بتصفية استعدادهم وليشاهدوني عند التصفية حين أتجلى في مرايا قلوبهم لكي يستقيموا في مقام الطمأنينة وحقائق التمكين.
ولما كان للإنسان تلونات بحسب اختلاف الأسماء فتارة يكون بحكم غلبات الصفات الروحانية في نهار الواردات الربانية وحينئذ يصوم عن الحظوظ الإنسانية ، وتارة يكون بحكم الدواعي والحاجات البشرية مردودا بمقتضى الحكمة إلى ظلمات الصفات الحيوانية وهذا وقت الغفلة الذي يتخلل ذلك الإمساك أباح له التنزل بعض الأحايين إلى مقارنة النفوس وهو الرفث إلى النساء وعلله بقوله سبحانه : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) أي لا صبر لكم عنها بمقتضى الطبيعة لكونها تلابسكم وكونكم تلابسونهن بالتعلق الضروري (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) وتنقصونها حظوظها الباقية باستراق تلك الحظوظ الفانية في أزمنة السلوك والرياضة (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ) أي وقت الاستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء (بَاشِرُوهُنَ) بقدر الحاجة الضرورية (وَابْتَغُوا) بقوة هذه المباشرة (ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) من التقوى والتمكن على توفير حقوق الاستقامة والوصول إلى المقامات العقلية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) في ليالي الصحو حتى يظهر لكم بوادر الحضور ولوامعه وتغلب آثاره وأنواره على سواد الغفلة وظلمتها ثم كونوا على الإمساك الحقيقي بالحضور مع الحق حتى يأتي زمان الغفلة الأخرى فإن لكل حاضر سهما منها ولو لا ذلك لتعطلت مصالح المعاش ، وإليه الإشارة بخبر «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولي وقت مع حفصة وزينب» ، ولا تقاربوهن حال اعتكافكم وحضوركم في مقامات القربة والأنس ومساجد القلوب (وَلا تَأْكُلُوا) أموال معارفكم (بَيْنَكُمْ) بباطل شهوات النفس ، وترسلوا بها إلى حكام النفوس الأمارة بالسوء (لِتَأْكُلُوا) الطائفة (مِنْ أَمْوالِ) القوى الروحانية بالظلم لصرفكم إياها في ملاذ القوى النفسانية (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أن ذلك إثم ووضع للشيء في غير موضعه (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) وهي الطوالع القلبية عند إشراق نور الروح عليها (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ) للسالكين يعرف بها أوقات وجوب المعاملة في سبيل الله وعزيمة السلوك وطواف بيت القلب ، والوقوف في عرفة العرفان ، والسعي من صفوة الصفا ومروة المروة ، وقيل : (الْأَهِلَّةِ) للزاهدين مواقيت أورادهم. وللصديقين مواقيت مراقباتهم ، والغالب على الأولين القيام بظواهر الشريعة ، وعلى الآخرين القيام بأحكام الحقيقة ، فإن تجلى عليهم بوصف الجلال طاشوا ، وإن تجلى عليهم بوصف الجمال عاشوا ، فهم بين جلال وجمال وخضوع ودلال نفعنا الله تعالى بهم ، وأفاض علينا من بركاتهم (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) أخرج ابن جرير والبخاري. عن البراء قال : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله (وَلَيْسَ الْبِرُّ) الآية ، وكأنهم كانوا يتحرجون من الدخول من الباب من أجل سقف الباب أن يحول بينهم وبين السماء كما صرح به الزهري في رواية ابن جرير عنه ـ ويعدون فعلهم ذلك برا ـ فبين لهم أنه ليس ببر (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) أي ـ بر من اتقى ـ المحارم والشهوات ، أو لكن ذا (الْبِرُّ) أو البار (مَنِ اتَّقى) والظاهر أن جملة النفي معطوفة على مقول ـ قل ـ فلا بد من الجامع بينهما فإما أن يقال : إنهم سألوا عن الأمرين كيف ما اتفق ، فجمع بينهما في الجواب بناء على الاجتماع الاتفاقي في السؤال ، والأمر الثاني مقدر إلا أنه ترك ذكره إيجازا واكتفاء بدلالة الجواب عليه ، وإيذانا بأن هذا الأمر مما لا ينبغي أن يقع فيحتاج إلى السؤال عنه ، أو يقال : إن السؤال واقع (عَنِ الْأَهِلَّةِ) فقط وهذا مستعمل إما على الحقيقة