أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال له مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من ركنه الأيسر فأعرض عنه ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته فقال : يأتي أحدكم بما يملك فيقول : هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول».
وقرأ أبو عمرو بالرفع بتقدير المبتدأ على أن (ما ذا يُنْفِقُونَ) مبتدأ وخبر ، والباقون بالنصب بتقدير الفعل ، و (ما ذا) مفعول (يُنْفِقُونَ) ليطابق الجواب السؤال (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد لأنه أبقى للمال وأكثر نفعا في الآخرة فالمشار إليه ما يفهم من قوله سبحانه : (قُلِ الْعَفْوَ) وإيراد صيغة البعيد مع قربه لكونه معنى متقدم الذكر ، ويجوز أن يكون المشار إليه جميع ما ذكر من قوله سبحانه : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) إذ لا مخصص مع كون التعميم أفيد والقرب إنما يرجح القريب على ما سواه فقط وجعل المشار إليه قوله عزّ شأنه : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) على ما فيه لا يخفى بعده ، والكاف في موضع النصب صفة لمحذوف ، واللام في (الْآياتِ) للجنس أي يبين لكم الآيات المشتملة على الأحكام تبيينا مثل هذا التبيين إما بإنزالها واضحة الدلالة ، أو بإزالة إجمالها بآية أخرى أو ببيان من قبل الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وكان مقتضى الظاهر أن يقال ـ كذلكم ـ على طبق (لَكُمُ) لكنه وحد بتأويل نحو القبيلة ، أو الجمع ما هو مفرد اللفظ جمع المعنى روما للتخفيف لكثرة لحوق علامة الخطاب باسم الإشارة ، وقيل : إن الإفراد للإيذان بأن المراد به كل من يتلقى الكلام كما في قوله تعالى : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) [البقرة : ٥٢] وفيه أنه يلزم تعدد الخطاب في كلام واحد من غير عطف وذا لا يجوز كما نص عليه الرضي (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي في الآيات فتستنبطوا الأحكام منها وتفهموا المصالح والمنافع المنوطة بها وبهذا التقدير حسن كون ترجي التفكر غاية لتبيين الآيات (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي في أمورهما فتأخذون بالأصلح منهما وتجتنبون عما يضركم ولا ينفعكم أو يضركم أكثر مما ينفعكم ، والجار بعد تقدير المضاف متعلق ب (تَتَفَكَّرُونَ) بعد تقييده بالأول ، وقيل : يجوز أن يتعلق ب (يُبَيِّنُ) أي يبين لكم الآيات فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) وقدم التفكر للاهتمام ، وفيه أنه خلاف ظاهر النظم مع أن ترجي أصل التفكر ليس غاية لعموم التبيين فلا بد من عموم التفكر فيكون المراد ـ لعلكم تتفكرون في أمور الدنيا والآخرة ـ وفي التكرار ركاكة ، وقيل : متعلق بمحذوف وقع حالا من الآيات أي يبينها لكم كائنة فيهما أي مبينة لأحوالكم المتعلقة بهما ولا يخفى ما فيه ، ومن الناس من لم يقدر ـ ليتفكرون ـ متعلقا وجعل المذكور متعلقا بها أي بين الله لكم الآيات لتتفكروا في الدنيا وزوالها والآخرة وبقائها فتعلموا فضل الآخرة على الدنيا وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وقتادة والحسن.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) عطف على ما قبله من نظيره ، أخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما أنزل الله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإنعام : ١٥٢ ، الإسراء : ٣٤] (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى) [النساء : ١٠] الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فيرمى به فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت ، والمعنى ـ يسألونك عن القيام بأمر اليتامى ، أو التصرف في أموالهم ، أو عن أمرهم وكيف يكونون معهم ـ (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) أي مداخلتهم مداخلة يترتب عليها إصلاحهم أو إصلاح أموالهم بالتنمية والحفظ خير من مجانبتهم ، وفي الاحتمال الأول إقامة غاية الشيء مقامه (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) عطف على سابقه