عنه ما يؤيده ، وقال الشافعي : المراد وارث الأب وهو الصبي أي مؤن الصبي من ماله إذا مات الأب ، واعترض أن هذا الحمل يأباه أن لا يخص كون المئونة في ماله إذا مات الأب بل إذا كان له مال لم يجب على الأب أجرة الإرضاع بل يجب عليه النفقة على الصبي وأجرة الإرضاع من مال الصبي بحكم الولاية وفيه نظر ، وقيل : المراد الباقي من الأبوين ، وقد جاء الوارث بمعنى الباقي كما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني» قيل : وهذا يوافق مذهب الشافعي إذ لا نفقة عنده فيما عدا الولاد ولا يخفى ما في ذلك من البحث لأن ـ من ـ إن كانت للبيان لزم التكرار أو الركاكة أو ارتكاب خلاف الظاهر ، وإن كانت للابتداء كان المعنى الباقي غير الأبوين وهو يجوز أن يكون من العصبات أو ذوي الأرحام الذين ليست قرابتهم قرابة الولاد وكون ذلك موافقا لمذهب الشافعي إنما يتأتى إذا تعين كون الباقي ذوي قرابة الولاد وليس في اللفظ ما يفيده كما لا يخفى (فَإِنْ أَرادا) أي الوالدان (فِصالاً) أي فطاما للولد قبل الحولين وهو المروي عن مجاهد وقتادة وأهل البيت ، وقيل : قبلهما أو بعدهما وهو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى الأول يكون هذا تفصيلا لفائدة (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَ) وبيانا لحكم إرادة عدم الإتمام ، والتنكير للإيذان بأنه ـ فصال ـ غير معتاد ، وعلى الثاني توسعة في الزيادة والتقليل في مدة الرضاعة بعد التحديد والتنكير للتعميم ، ويجوز على القولين أن يكون للإشارة إلى عظمه نظرا للصبي لما فيه من مفارقة المألوف (عَنْ تَراضٍ) متعلق بمحذوف ينساق إليه الذهن وإن كان كونا خاصا أي صادرا (عَنْ تَراضٍ) وجوز أن يتعلق بأراد (مِنْهُما) أي الوالدين لا من أحدهما فقط لاحتمال إقدامه على ما يضر الولد بأن تمل الأم أو يبخل الأب (وَتَشاوُرٍ) في شأن الولد وتفحص أحواله وهو مأخوذ من الشور وهو اجتناء العسل وكذا ـ المشاورة والمشورة والمشورة ـ والمراد من ذلك استخراج الرأي وتنكيره للتفخيم.
(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) في ذلك وإنما اعتبر رضا المرأة مع أن ولي الولد هو الأب وصلاحه منوط بنظره مراعاة لصلاح الطفل لأن الوالدة لكمال شفقتها على الصبي ربما ترى ما فيه المصلحة له (وَإِنْ أَرَدْتُمْ) خطاب للآباء هزا لهم للامتثال على تقدير عدم الاتفاق على عدم الفطام (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) بحذف المفعول الأول استغناء عنه أي ـ تسترضعوا المراضع أولادكم ـ من أرضعت المرأة طفلا واسترضعتها إياه كقولك أنجح الله تعالى حاجتي واستنجحتها إياه ، وقد صرح الإمام الكرماني بأن الاستفعال قد جاء لطلب المزيد كالاستنجاء لطلب الانجاء والاستعتاب لطلب الاعتاب وصرح به غيره أيضا فلا حاجة إلى القول بأنه من رضع بمعنى أرضع ولم يجعل من الأول أول الأمر لعدم وجوده في كلامهم فإنه بمعزل عن التحقيق ، وقيل : إن استرضع إنما يتعدى إلى الثاني بحرف الجر يقال استرضعت المرأة للصبي والمراد أن (تَسْتَرْضِعُوا) المراضع «لأولادكم» فحذف الجار كما في قوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ) [المطففين : ٣] أي كالوا لهم (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي في ذلك ، واستدل بالإطلاق على أن للزوج أن ـ يسترضع للولد ويمنع الزوجة من الإرضاع ـ وهو مذهب الشافعية ، وعندنا أن الام أحق برضاع ولدها وأنه ليس للأب أن يسترضع غيرها إذا رضيت أن ترضعه لقوله تعالى: (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) وبه يخصص هذا الإطلاق وإلى ذلك يشير كلام ابن شهاب (إِذا سَلَّمْتُمْ) إلى المراضع (ما آتَيْتُمْ) أي ضمنتم والتزمتم أو أردتم إتيانه لئلا يلزم تحصيل الحاصل ، وقرأ ابن كثير أتيتم من أتى إليه إحسانا إذا فعله ، وشيبان عن عاصم «أوتيتم» أي ما آتاكم الله تعالى وأقدركم عليه من الأجرة (بِالْمَعْرُوفِ) متعلق بسلمتم أي بالوجه المتعارف المستحسن شرعا وجوز أن يتعلق بآتيتم وأن يكون حالا من فاعله أو فاعل الفعل الذي قبله ، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله وليس التسليم شرطا لرفع الإثم بل هو الأولى والأصلح للطفل فشبه ما هو من شرائط الأولية بما هو من شرائط الصحة للاعتناء به فاستعير له عبارته ، وقيل :