لا حاجة إلى هذا لأن نفي الإثم بتسليم الأجرة مطلقا غير مقيد بتقديمها عليه يعني لا جناح عليكم في الاسترضاع لو لم تأثموا بالتعدي في الأجرة وتظلموا الأجير ، وفيه تأمل لأن الإثم إذا لم يسلم بعد إنما هو بالتعدي ، والاسترضاع كان قبل خاليا عما يوجب الإثم (وَاتَّقُوا اللهَ) في شأن مراعاة الأحكام (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لا تخفى عليه أعمالكم فيجازيكم عليها ، وفي إظهار الاسم الجليل تربية للمهابة ، وفي الآية من التهديد ما لا يخفى (وَالَّذِينَ) مبتدأ.
(يُتَوَفَّوْنَ) أي تقبض أرواحهم فإن التوفي هو القبض يقال : توفيت مالي من فلان واستوفيته منه أي قبضته وأخذته. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه فيما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عنه والمفضل عن عاصم (يُتَوَفَّوْنَ) بفتح ـ الياء ـ أي يستوفون آجالهم فعلى هذا يقال للميت متوفى بمعنى مستوف لحياته ، واستشكل بما حكي أن أبا الأسود كان خلف جنازة فقال له رجل من المتوفي؟ بكسر الفاء فقال : الله تعالى وكأن هذا أحد الأسباب لعلي كرم الله تعالى وجهه على أن أمره بوضع كتاب النحو ، وأجاب السكاكي بأن سبب التخطئة أن السائل كان ممن لم يعرف وجه صحته فلم يصلح للخطاب به (مِنْكُمْ) في محل نصب على الحال من مرفوع (يُتَوَفَّوْنَ) و ـ من ـ تحتمل التبعيض وبيان الجنس والخطاب لكافة الناس بتلوين الخطاب (وَيَذَرُونَ) أي يتركون ويستعمل منه الأمر ولا يستعمل اسم الفاعل ولا اسم المفعول وجاء الماضي على شذوذ (أَزْواجاً) أي نساء لهم.
(يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) خبر عن الذين والرابط محذوف أي لهم أو بعدهم ، ورجح الأول بقلة الإضمار وبما في اللام من الإيماء إلى أن العدة حق المتوفى ، وقيل : خبر لمحذوف أي أزواجهم يتربصن ، والجملة خبر الذين وبعض البصريين قدر مضافا في صدر الكلام أي أزواج الذين وهن نساؤهم ، وفيه أنه لا يبقى ـ ليذرون أزواجا ـ فائدة جديدة يعتد بها ، ويروى عن سيبويه ـ إن الذين ـ مبتدأ والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم حكم الذين إلخ ، وحينئذ يكون جملة ـ يتربصن ـ بيانا لذلك الحكم وفيه كثرة الحذف ، وذهب بعض المحققين إلى أن (الَّذِينَ) مبتدأ و (يَتَرَبَّصْنَ) خبره والرابط حاصل بمجرد عود الضمير إلى الأزواج لأن المعنى يتربص الأزواج اللاتي تركوهن ، وقد أجاز الأخفش والكسائي مثل ذلك ولو لا أن الجمهور على منعه لكان من الحسن بمكان (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) لعل ذلك العدد لسر تفرد الله تعالى بعلمه أو علمه من شاء من عباده ، والقول ـ بأنه لعل المقتضي لذلك أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرا ولأربعة إن كان أنثى فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشرة استظهارا إذ ربما تضعف حركته في المبادي فلا يحس بها مع ما فيه من المنافاة للحديث الصحيح «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله تعالى ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح» لأن ظاهره أن نفخ الروح بعد هذه المدة مطلقا ـ لا يروي الغليل ولا يشفي العليل ، وتأنيث العشر قيل : لأن التمييز المحذوف هو الليالي وإلى ذلك ذهب ربيعة ويحيى ابن سعيد ، وقيل : بل هو باعتبار الليالي لأنها غرر الشهور ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله ذهابا إلى الأيام حتى أنهم يقولون ـ كما حكى الفراء ـ صمنا عشرا من شهر رمضان مع أن الصوم إنما يكون في الأيام ويشهد له قوله تعالى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) [ط : ١٠٣] ثم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) [طه : ١٠٤] وذكر أبو حيان أن قاعدة تذكير العدد وتأنيثه إنما هي إذا ذكر المعدود ، وأما عند حذفه فيجوز الأمران مطلقا ولعله أولى مما قيل ، واستدل بالآية على وجوب العدة على المتوفى عنها سواء كان مدخولا بها أو لا ، وذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى أنه لا عدة للثانية وهو محجوج بعموم اللفظ كما ترى ، وشملت الآية المسلمة والكتابية وذات الأقراء والمستحاضة والآيسة والصغيرة والحرة والأمة ـ