تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ٥] فقيل : الفائدة في ذكر المفعول فيه وإن كان الإنسان لا يعلم إلا ما لم يعلم التصريح بذكر حالة الجهل التي انتقل عنها فإنه أوضح في الامتنان ، وفي إيراد الشرطية الأولى بأن المفيد لمشكوكية وقوع الخوف وندرته ، وتصدير الثانية ب «إذا» المنبئة عن تحقق وقوع الأمن وكثرته مع الإيجاز في جواب الأولى ، والإطناب في جواب الثانية المبنيين على تنزيل مقام وقوع المأمور به فيهما منزلة مقام وقوع الأمر تنزيلا مستدعيا لإجراء مقتضى المقام الأوّل في كل منهما مجرى مقتضى المقام الثاني من الجزالة والاعتبار كما قيل ـ ما فيه عبرة لذوي الأبصار (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) عود إلى بيان بقية الأحكام المفصلة فيما سبق ، وفي (يُتَوَفَّوْنَ) مجاز المشارفة (وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة عن عاصم بنصب (وَصِيَّةً) على المصدرية ، أو على أنها مفعول به ، والتقدير ليوصوا أو يوصون (وَصِيَّةً) أو كتب الله تعالى عليهم ، أو ألزموا (وَصِيَّةً) ويؤيد ذلك قراءة عبد الله «كتب عليكم الوصية لأزواجكم متاعا إلى الحول» مكان (وَالَّذِينَ) إلخ ، وقرأ الباقون ـ بالرفع ـ على أنه خبر بتقدير ليصح الحمل أي ووصية (الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) أو حكمهم وصية أو (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) أهل وصية ، وجوّز أن يكون نائب فاعل فعل محذوف ، أو مبتدأ لخبر محذوف مقدّم عليه أي (كُتِبَ عَلَيْهِمُ) أو عليهم (وَصِيَّةً) وقرأ أبيّ متاع لأزواجهم ، وروي عنه (فَمَتاعُ) بالفاء.
(مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) نصب بيوصون إن أضمرته ويكون من باب الحذف والإيصال ، وإلا ف «بالوصية» لأنها بمعنى التوصية ، وبمتاع على قراءة أبيّ لأنه بمعنى التمتع (غَيْرَ إِخْراجٍ) بدل منه بدل اشتمال إن اعتبر اللزوم بين التمتع (إِلَى الْحَوْلِ) وبين ـ غير الإخراج ـ وبدل الكل بحسب الذات فإنهما متحدان بالذات ، ومتغايران بالوصف ، وذكر بعضهم أنه على تقدير البدل لا بد من تقدير مضاف إلى غير تقديره (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) متاع (غَيْرَ إِخْراجٍ) وإلا لم يصح لأن (مَتاعاً) مفسر بالإنفاق ، و (غَيْرَ إِخْراجٍ) عبارة عن الإسكان وليس مدلوله مدلول الأول ، ولا جزأه ، ولا ملابسا له ، فيكون بدل غلط ـ وهو لا يصح في الكلام المجيد ـ فيتعين التقدير ، وحينئذ يكون إبدال الخاص من العام وهو من قبيل إبدال الكل من الجزء نحو ـ رأيت القمر فلكه ـ وهو بدل الاشتمال ـ كما صرح به صاحب المفتاح ـ وأجيب بأنا لا نسلم أن (مَتاعاً) مفسر بالإنفاق فقط بل ـ المتاع ـ عام شامل للإنفاق والإسكان جميعا ، فيكون (غَيْرَ إِخْراجٍ) عبارة عن الإسكان الذي هو بعض من (مَتاعاً) فيكون بدل البعض من الكل ، وجوّز أن يكون مصدرا مؤكدا لأن ـ الوصية بأن يمتعن حولا ـ يدل على أنهن لا يخرجن ، فكأنه قيل : لا يخرجن (غَيْرَ إِخْراجٍ) ويكون تأكيدا لنفي ـ الإخراج ـ الدال عليه (لا يَخْرُجْنَ) فيؤول إلى قولك : لا يخرجن لا يخرجن ، وأن يكون حالا من أزواجهم والأكثرون على أنها حال مؤكدة إذ لا معنى لتقييد ـ الإيصاء ـ بمفهوم هذه الحالة وأنها مقدّرة لأن معنى نفى ـ الإخراج إلى الحول ـ ليس مقارنا ـ للإيصاء ـ وفيه تأمل ، وأن يكون صفة متاع أو منصوبا بنزع الخافض ، والمعنى يجب على (الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) أن يوصوا قبل أن يحتضروا (لِأَزْواجِهِمْ) لأن يمتعن بعدهم ـ حولا ـ بالنفقة والسكنى ، وكان ذلك على الصحيح في أول الإسلام ثم نسخت المدة بقوله تعالى : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) وهو وإن كان متقدما في التلاوة فهو متأخر في النزول ، وكذا النفقة بتوريثهن الربع أو الثمن ، واختلف في سقوط السكنى وعدمه ، والذي عليه ساداتنا الحنفية الأول ، وحجتهم أن مال الزوج صار ميراثا للوارث ، وانقطع ملكه بالموت ، وذهب الشافعية إلى الثاني لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» واعترض بأنه ليس فيه دلالة على أن لها السكنى في مال الزوج ، والكلام فيه (فَإِنْ خَرَجْنَ) بعد الحول ، ومضيّ العدة ، وقيل : في الأثناء باختيارهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) يا أولياء الميت ، أو أيها الأئمة.