مثل هذا التخيل كما لا يخفى ، وفي جواب هذه الظاهرة ليوسف النجار ما يؤيد ما قلناه ، فقد أخرج إسحاق بن بشر. وابن عساكر عن وهب أنه قال : لما استقر حمل مريم وبشرها جبريل وثقت بكرامة الله تعالى واطمأنت وطابت نفسا ، وأول من اطلع على حملها ابن خال لها يقال له يوسف ، واهتم لذلك وأحزنه وخشي البلية منه لأنه كان يخدمها فلما رأى تغير لونها وكبر بطنها عظم عليه ذلك فقال معرضا لها : هل يكون زرع من غير بذر؟! قالت : نعم قال : وكيف يكون ذلك قال : إن الله تعالى خلق البذر أول من غير نبات وأنبت الزرع الأول من غير بذر ، ولعلك تقول : لم يقدر أن يخلق الزرع الأول إلا بالبذر؟ ولعلك تقول : لو لا أن استعان الله تعالى عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أن يخلقه ولا ينبته؟ قال يوسف أعوذ بالله أن أقول ذلك قد صدقت وقلت بالنور والحكم ، وكما قدر أن يخلق الزرع الأول وينبته من غير بذر يقدر أن يجعل زرعا من غير بذر فأخبريني هل ينبت الشجر من غير ماء ولا مطر؟ قالت : ألم تعلم أن للبذر. والماء. والمطر. والشجر خالقا واحدا فلعلك تقول لو لا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر؟ قال أعوذ بالله تعالى أن أقول ذلك قد صدقت فأخبريني خبرك قالت : بشرني الله تعالى (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) إلى قوله تعالى : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله تعالى لسبب خير أراده بمريم فسكت عنها فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق فنوديت أن اخرجي من المحراب فخرجت.
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ)(٦٣)
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ) عطف على (يُبَشِّرُكِ) أي إن الله (يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ) ويعلم ذلك المولود المعبر عنه بالكلمة (الْكِتابَ) ولا يرد عليه طول الفصل لأنه اعتراض لا يضر مثله ، أو على ـ يخلق ـ أي كذلك الله يخلق ما يشاء (وَيُعَلِّمُهُ) أو على ـ يكلم فتكون في محل نصب على الحال والتقدير ـ يبشرك بكلمة مكلما الناس ومعلما الكتاب ـ أو على (وَجِيهاً) وجوز أن تكون جملة مستأنفة ليست داخلة في حيز قول الملائكة عليهمالسلام ، و ـ الواو ـ تكون للاستئناف وتقع في ابتداء الكلام كما صرح به النحاة فلا حاجة ـ كما قال الشهاب ـ إلى التأويل بأنها معطوفة على جملة مستأنفة سابقة وهي (وَإِذْ قالَتِ) إلخ ولا إلى مقدرة ، ولا إشكال في العطف كما قال النحرير ، وكذا لا يدعي أن الواو زائدة كما قال أبو حيان ، فهذه أوجه من الإعراب مختلفة بالأولوية ، وأغرب ما رأيته ما نقله الطبرسي عن بعضهم أن العطف على جملة (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) بل لا يكاد يستطيبه من سلم له ذوقه ، و (الْكِتابَ)