من الأموال ابتلاء وامتحانا فمن نظر إلى نفسه بعين زينة الربوبية فنيت نفسه فيها ونطق لسان الربوبية منه وصار كشجرة موسى عليهالسلام حيث نطق الحق منها وذلك مثل الحلاج القائل : أنا الحق ، ومن نظر إلى زينة الأموال التي هي زينة الملك صار حاله كحال سليمان عليهالسلام حيث كان ينظر إلى عظم جلال المولى من خلال تلك الزينة ، ومن نظر إلى نفسه من حيث إنها نفسه واغتر بالسراب ولم يحقق بالذوق ما عنده صار حاله كحال فرعون إذ نادى (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] ، ومن نظر إلى خضرة الدنيا وحسا كأس شهواتها وسكر بها صار كبلعام (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) [الأعراف : ١٧٦] وهذا وجه الابتلاء بالأموال والأنفس ، وأي ابتلاء أعظم من رؤية الملك ورؤية الربوبية في الكون الذي هو محل الالتباس (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهم أهل مقام الجمع (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) وهم أهل الكثرة (أَذىً كَثِيراً) لنطقهم بما يخالف مشربكم والخطاب للمتوسطين من السالكين فإنهم ينكرون على أهل مقام الجمع وعلى أهل الكثرة جميعا ما داموا غير واصلين إلى توحيد الذات وغير كارعين من بحار الفرق بعد الجمع (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على مجاهدة أنفسكم (وَتَتَّقُوا) النظر إلى الأغيار (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من الأمور المطلوبة التي تجرّ إلى المقصود والفوز بالمطلوب (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) الظاهر هنا عدم صحة إرادة المعنى الذي أريد (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) آنفا ومن حمله عليه تكلف جدا فلعله باق على ظاهره ، أو أنه إشارة إلى العلماء مطلقا وضمير (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) إلخ راجع إليهم باعتبار البعض فتدبر (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أي يعجبون بما فعلوا من طاعة ويحجبون برؤيته (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا) أي يحمدهم الناس فهم محجوبون بغرض الحمد والثناء من الناس ، أو أن يكونوا محمودين عند الله (بِما لَمْ يَفْعَلُوا) بل فعله الله تعالى على أيديهم إذ لا فعل حقيقة إلا لله تعالى (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وهو عذاب الحرمان والحجاب.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ