بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)(٤)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب يعم المكلفين من لدن نزل إلى يوم القيامة على ما مرّ تحقيقه ، وفي تناول نحو هذه الصيغة للعبيد شرعا حتى يعمهم الحكم خلاف ، فذهب الأكثرون إلى التناول لأن العبد من الناس مثلا فيدخل في الخطاب العام له قطعا وكونه عبدا لا يصلح مانعا لذلك ، وذهب البعض إلى عدم التناول قالوا : لأنه قد ثبت بالإجماع صرف منافع العبد إلى سيده فلو كلف بالخطاب لكان صرفا لمنافعه إلى غير سيده وذلك تناقض فيتبع الإجماع ويترك الظاهر ، وأيضا خرج العبد عن الخطاب بالجهاد والجمعة والعمرة والحج والتبرعات والأقارير ونحوها ، ولو كان الخطاب متناولا له للعموم لزم التخصيص ، والأصل عدمه ، والجواب عن الأول أنا لا نسلم صرف منافعه إلى سيده عموما بل قد يستثنى من ذلك وقت تضايق العبادات حتى لو أمره السيد في آخر وقت الظهر ولو أطاعه لفاتته الصلاة وجبت عليه الصلاة ، وعدم صرف منفعته في ذلك الوقت إلى السيد ، وإذا ثبت هذا فالتعبد بالعبادة ليس مناقضا لقولهم : بصرف المنافع للسيد ، وعن الثاني بأن خروجه بدليل اقتضى خروجه وذلك كخروج المريض ، والمسافر ، والحائض عن العمومات الدالة على وجوب الصوم والصلاة والجهاد ، وذلك لا يدل على عدم تناولها اتفاقا ، غايته أنه خلاف الأصل ارتكب لدليل وهو جائز ثم الصحيح أن الأمم الدارجة قبل نزول هذا الخطاب لا حظ لها فيه لاختصاص الأوامر والنواهي بمن يتصور منه الامتثال ، وأنى لهم به وهم تحت أطباق الثرى لا يقومون حتى ينفخ في الصور.
وجوز بعضهم كون الخطاب عاما بحيث يندرجون فيه ، ثم قال : ولا يبعد أن يكون الأمر الآتي عاما لهم أيضا بالنسبة إلى الكلام القديم القائم بذاته تعالى ، وإن كان كونه عربيا عارضا بالنسبة إلى هذه الأمة ، وفيه نظر لأن المنظور إليه إنما هو أحكام القرآن بعد النزول وإلا لكان النداء وجميع ما فيه من خطاب المشافهة مجازات ولا قائل به فتأمل. وعلى العلات لفظ (النَّاسُ) يشمل الذكور والإناث بلا نزاع ، وفي شمول نحو قوله تعالى : (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) خلاف والأكثرون على أن الإناث لا يدخلن في مثل هذه الصيغة ظاهرا خلافا للحنابلة ، استدل الأولون بأنه قد روي عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله إن النساء قلن ما نرى الله تعالى ذكر إلا الرجال فأنزل ذكرهن ، فنفت ذكرهن مطلقا ولو كن داخت لما صدق نفيهن ولم يجز تقريره عليه الصلاة والسلام للنفي ، وبأنه قد أجمع أرباب العربية على أن نحو هذه الصيغة جمع مذكر وأنه لتضعيف المفرد والمفرد مذكر ، وبأن نظير هذه الصيغة المسلمون ولو كان مدلول