المسلمات داخلا فيه لما حسن العطف فيقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [الأحزاب : ٣٥] إلا باعتبار التأكيد ، والتأسيس خير من التأكيد ، وقال الآخرون : المعروف من أهل اللسان تغليبهم المذكر على المؤنث عند اجتماعهما باتفاق ، وأيضا لو لم تدخل الإناث في ذلك لما شاركن في الأحكام لثبوت أكثرها بمثل هذه الصيغة ، واللازم منتف بالاتفاق كما في أحكام الصلاة والصيام الزكاة ، وأيضا لو أوصى لرجال ونساء بمائة درهم ، ثم قال : أوصيت لهم بكذا دخلت النساء بغير قرينة ، وهو معنى الحقيقة فيكون حقيقة في الرجال والنساء ظاهرا فيهما وهو المطلوب ، وأجيب أما عن الأول فبأنه إنما يدل على أن الإطلاق صحيح إذا قصد الجميع ، والجمهور يقولون به ، لكنه يكون مجازا ولا يلزم أن يكون ظاهرا وفيه النزاع (١).
وأما عن الثاني فبمنع الملازمة ، نعم يلزم أن لا يشاركن في الأحكام بمثل هذه الصيغة ، وما المانع أن يشاركن بدليل خارج؟ والأمر كذلك ، ولذلك لم يدخلن في الجهاد والجمعة مثلا لعدم الدليل الخارجي هناك ، وأما عن الثالث فبمنع المبادرة ثمة بلا قرينة فإن الوصية المتقدمة قرينة دالة على الإرادة ، فالحق عدم دخول الإناث ظاهرا ، نعم الأولى هنا القول بدخولهن باعتبار التغليب ، وزعم بعضهم أن لا تغليب بل الأمر للرجال فقط كما يقتضيه ظاهر الصيغة ، ودخول الإناث في الأمر ـ بالتقوى ـ للدليل الخارجي ، ولا يخفى أن هذا يستدعي تخصيص لفظ الناس ببعض أفراده لأن إبقاءه حينئذ على عمومه مما يأباه الذوق السليم ، والمأمور به إما الاتقاء بحيث يشمل ما كان باجتناب الكفر والمعاصي وسائر القبائح ، ويتناول رعاية حقوق الناس كما يتناول رعاية حقوق الله تعالى.
وأما الاتقاء في الإخلال بما يجب حفظه من الحقوق فيما بين العباد ـ وهذا المعنى مطابق لما في السورة من رعاية حال الأيتام وصلة الأرحام والعدل في النكاح والإرث ونحو ذلك بالخصوص ـ بخلاف الأول فإنه إنما يطابقها من حيث العموم ، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين ما لا يخفى من تأييد الأمر وتأكيد إيجاب الامتثال ، وكذا في وصف الرب بقوله سبحانه : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) لأن الاستعمال جار على أن الوصف الذي علق به الحكم علة موجبة له ، أو باعثة عليه ، داعية إليه ، ولا يخفى أن ما هنا كذلك لأن ما ذكر يدل على القدرة العظيمة ، أو النعمة الجسيمة ، ولا شك أن الأول يوجب التقوى مطلقا حذرا عن العقاب العظيم ، وأن الثاني يدعو إليها وفاء بالشكر الواجب ، وإيجاب الخلق من أصل واحد للاتقاء على الاحتمال الثاني ظاهر جدا ، وفي الوصف المذكور تنبيه على أن المخاطبين عالمون بما ذكر مما يستدعي التحلي بالتقوى ، وفيه كمال توبيخ لمن يفوته ذلك ، والمراد من النفس الواحدة آدم عليهالسلام ، والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين ومن وافقهم أنه ليس سوى آدم واحد ـ وهو أبو البشر ـ وذكر صاحب جامع الأخبار من الإمامية في الفصل الخامس عشر خبرا طويلا نقل فيه أن الله تعالى خلق قبل أبينا آدم ثلاثين آدم وآدم ، بين كل آدم ألف سنة ، وأن الدنيا بقيت خرابا بعدهم خمسين ألف سنة ، ثم عمرت خمسين ألف سنة ، ثم خلق أبونا آدم عليهالسلام ، وروي ابن بابويه في كتاب التوحيد عن الصادق في حديث طويل أيضا أنه قال : لعلك ترى أن الله تعالى لم يخلق بشرا غيركم بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين ، وقال الميثم في شرحه الكبير على النهج ـ ونقل عن محمد بن علي الباقر ـ أنه قال : قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم وأكثر ، وذكر الشيخ الأكبر قدسسره في فتوحاته ما يقتضي بظاهره أن قبل آدم
__________________
(١) فإن قيل : الأصل في الإطلاق الحقيقة فلا يصار إلى المجاز إلا لدليل ، أجيب بأنه لا نزاع في أن الصيغة للرجال وحدهم حقيقة ولو كانت لهم وللنساء معا حقيقة أيضا لزم الاشتراك ، وإلا فالمجاز وقد تقرر في الأصول أن المجاز أولى من الاشتراك ا ه منه.