وفعل ذلك ليكون إخراجهم عن هذه العادة الرديئة على سبيل التدريج ، قال البلخي : وهذا خلاف الإجماع ، وما علم من دين الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فالقول به خطأ والمعول عليه من بين الأقوال الأول لقوله سبحانه : (إِنَّهُ) أي نكاح ما نكح الآباء (كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً) فإنه تعليل للنهي وبيان لكون المنهي عنه في غاية القبح كما يدل عليه الاخبار بأنه فاحشة مبغوضا باستحقار جدا حتى كأنه نفس البغض كما يدل عليه الاخبار بأنه مقت ، وإنه لم يزل في حكم الله تعالى وعلمه موصوفا بذلك ما رخص فيه لأمة من الأمم كما يقتضيه (كانَ) على ما ذكره علي بن عيسى وغيره ، وهذا لا يلائم أن يوسط بينهما ما يهون أمره من ترك المؤاخذة على ما سلف منه كما أشار إليه الزمخشري ، وارتضاه جمع من المحققين ، ومن الناس من استظهر كون هذه الجملة خبرا على تقدير الانقطاع وليس بالظاهر ، ومنهم من فسر الفاحشة هنا بالزنا ، وليس بشيء ، وقد كان هذا النكاح يسمى في الجاهلية نكاح المقت ، ويسمى الولد منه مقتي ، ويقال له أيضا : مقيت أي مبغوض مستحقر ، وكان من هذا النكاح ـ على ما ذكره الطبرسي ـ الأشعث بن قيس ومعيط جد الوليد بن عقبة (وَساءَ سَبِيلاً) أي بئس طريقا طريق ذلك النكاح ، ففي ساء ضمير مبهم يفسره ما بعده ، والمخصوص بالذم محذوف ، وذم الطريق مبالغة في ذم سالكها وكناية عنه ، ويجوز ـ واختاره الليث ـ أن تكون (ساءَ) كسائر الأفعال ففيها ضمير يعود إلى ما عاد اليه ضمير به. و (سَبِيلاً) تمييز محول عن الفاعل ، والجملة إما مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، وإما معطوفة على خبر (كانَ) محكية بقول مضمر هو المعطوف في الحقيقة أي ومقولا في حقه ذلك في سائر الأعصار.
قال الإمام الرازي : مراتب القبح ثلاث : القبح العقلي ، والقبح الشرعي ، والقبح العادي ، وقد وصف الله سبحانه هذا النكاح بكل ذلك ، فقوله سبحانه : (فاحِشَةً) إشارة إلى مرتبة قبحه العقلي ، وقوله تعالى : (وَمَقْتاً) إشارة إلى مرتبة قبحه الشرعي ، وقوله عزوجل : (وَساءَ سَبِيلاً) إشارة إلى مرتبة قبحه العادي ، وما اجتمع فيه هذه المراتب فقد بلغ أقصى مراتب القبح ، وأنت تعلم أن كون قوله عزّ شأنه : (وَمَقْتاً) إشارة إلى مرتبة قبحه الشرعي ظاهر على تقدير أن يكون لمراد (وَمَقْتاً) عند الله تعالى ، وأما على تقدير أن يكون المراد (وَمَقْتاً) عند ذوي المروءات فليس بقاهر ، ومن هنا قيل : إن قوله جل شأنه : (فاحِشَةً) إشارة إلى القبح الشرعي (وَمَقْتاً) إشارة إلى العقلي بمعنى المنافرة (وَساءَ سَبِيلاً) إلى العرفي ، وعندي أن لكل وجها ، ولعل ترتيب الإمام أولى من بعض الحيثيات كما لا يخفي ، ومما يدل على فظاعة أمره ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والحاكم والبيهقي عن البراء قال : لقيت خالي ومعه الراية قلت : أين تريد؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٣)