جزاء الفعل فإن المقصود يكون مذكورا صريحا مع إفادته جزاء الاستحلال وأنه أمر فوق الخلود ، وأجيب بأن ما يكفر مستحلّه لا يكون إلا من كبائر المحرمات وجزاؤها معلوم ولذا لم ينبه عليه لظهوره ، وقال بعض المحققين في الجواب : إن جعل ذلك إشارة إلى الأكل كان الجزاء القيام المذكور من القبور إلى الموقف وكفى به نكالا ، ثم أخبر أن حاملهم على الأكل كان هذا القول فأشعر الوصف أولا أن الوعيد به ثم ذكر موجب اجترائهم فدل على أنه وعيد كل آكل سواء كان حامله عليه ذلك القول أو لا.
وأما قوله سبحانه : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) وقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ) فهو في القائل المعتقد وإن جعل إشارة إلى القيام المذكور فالجزاء ما يفهم من ضم الفعل إلى القول فإنه لو لم يكن له مدخل في التعذيب لم يحسن في معرض الوعيد ، والقول بأن المتعلق الربا والآية محمولة على التغليظ خلاف الظاهر فتدبر.
(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) أي يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ، أخرج أحمد ، وابن ماجه ، وابن جريج ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «إن الربا وإن كثر فعاقبته تصير إلى قلّ».
وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال : سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق ، ولعل هذا مخرج الغالب ، وعن الضحاك أن هذا المحق في الآخرة بأن يبطل ما يكون منه مما يتوقع نفعه فلا يبقى لأهله منه شيء (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) يزيدها ويضاعف ثوابها ويكثر المال الذي أخرجت منه الصدقة.
أخرج البخاري. ومسلم عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله تعالى إلا طيبا ـ فإن الله تعالى يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» وأخرج الشافعي ، وأحمد مثل ذلك. والنكتة في الآية أن المربي إنما يطلب في الربا زيادة في المال ومانع الصدقة إنما يمنعها لطلب زيادة المال ، فبين سبحانه أن الربا سبب النقصان دون النماء وأن الصدقة سبب النماء دون النقصان ـ كذا قيل ـ وجعلوه وجها لتعقيب آيات الإنفاق بآية الربا.
(وَاللهُ لا يُحِبُ) لا يرتضي (كُلَّ كَفَّارٍ) متمسك بالكفر مقيم عليه معتاد له (أَثِيمٍ) منهمك في ارتكابه والآية لعموم السلب لا لسلب العموم إذ لا فرق بين واحد وواحد ، واختيار صيغة المبالغة للتنبيه على فظاعة آكل الربا ومستحله ، وقد ورد في شأن الربا وحده ما ورد فكيف حاله مع الاستحلال؟ أعاذنا الله تعالى من ذلك.
فقد أخرج الطبراني ، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : «درهم ربا أشد على الله تعالى من ست وثلاثين زنية» وقال : «من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به» وخرج ابن ماجه وغيره عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن الربا سبعون بابا أدناها مثل أن يقع الرجل على أمه وإنّ أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه».
وأخرج جميل بن دراج عن الإمامية عن أبي عبد الله الحسين رضي الله تعالى عنه قال : «درهم ربا أعظم عند الله تعالى من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام». وأخرج عبد الرزاق. وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال : «لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الربا خمسة آكله وموكله وشاهديه وكاتبه».
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ