سورة النّساء
مدنية على الصحيح ، وزعم النحاس أنها مكية مستندا إلى أن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) [النساء: ٥٨]. الآية نزلت بمكة اتفاقا (١) في شأن مفتاح الكعبة ، وتعقبه العلامة السيوطي ، بأن ذلك مستند واه لأنه لا يلزم من نزول آية ، أو آيات بمكة من سورة طويلة نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية خصوصا أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه ، ومما يردّ عليه أيضا ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله تعالى عليه وسلم ، وبناؤه عليها صلى الله تعالى عليه وسلم كان بعد الهجرة اتفاقا ، وقيل : إنها نزلت عند الهجرة ، وعدة آياتها عند الشاميين مائة وسبع وسبعون ، وعند الكوفيين ست وسبعون ، وعند الباقين خمس وسبعون ، والمختلف فيه منها آيتان : إحداهما (أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) [النساء : ٤٤] وثانيتهما (فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [النساء : ١٧٣] فالكوفيون يثبتون الأولى آية فقط ، والشاميون يثبتون الثانية أيضا ، والباقون يقولون هما بعضا آية ، ووجه مناسبتها لآل عمران أمور ، منها أن آل عمران ختمت بالأمر بالتقوى ، وافتتحت هذه السورة به ، وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور ، وهو نوع من أنواع البديع يسمى في الشعر تشابه الأطراف (٢) وقوم يسمونه بالتسبيغ ، وذلك كقول ليلى الأخيلية :
إذا نزل الحجاج أرضا مريضة |
|
تتبع أقصى دائها فشفاها |
شفاها من الداء العضال الذي بها |
|
غلام إذا هز القناة رواها |
رواها فأرواها بشرب سجالها |
|
دماء رجال حيث نال حشاها |
ومنها أن في آل عمران ذكر قصة أحد مستوفاة ، وفي هذه السورة ذكر ذيلها ، وهو قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [النساء : ٨٨] فإنه نزل فيما يتعلق بتلك الغزوة على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى مرويا عن البخاري ومسلم وغيرهما ، ومنها أن في آل عمران ذكر الغزوة التي بعد أحد كما أشرنا إليه في قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) [آل عمران : ١٧٢] إلخ ، وأشير إليها هاهنا بقوله سبحانه : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) [النساء : ١٠٤] الآية ، وبهذين الوجهين يعرف أن تأخير النساء عن آل عمران أنسب من تقديمها عليها كما في مصحف ابن مسعود لأن المذكور هنا ذيل لما ذكر هناك وتابع فكان الأنسب فيه التأخير ، ومن أمعن نظره وجد كثيرا مما ذكر في هذه السورة مفصلا لما ذكر فيما قبلها فحينئذ يظهر مزيد الارتباط وغاية الاحتباك.
__________________
(١) وذكر الطبرسي أن آية الكلالة نزلت بمكة أيضا ا ه منه.
(٢) ولا يضر في ذلك كون الخطاب الأول (يا أيها الذين آمنوا) والخطاب الثاني (يا أيها الناس) كما لا يخفى ا ه منه.