حاجة لي في الدنيا يا روح الله سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون علي كرب الموت فدعا ربه فقبضها إليه فاستوت عليها الأرض فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضبا» وروي عن مجاهد أنهم أرادوا قتله ولذلك استنصر قومه ، و ـ من ـ لابتداء الغاية متعلق ـ بأحس ـ أي ابتدأ الاحساس من جهتهم ؛ وجوز أبو البقاء أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الكفر أي لما أحس الكفر حال كونه صادرا منهم.
(قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) المقول لهم الحواريون كما يشير إليه آية ـ الصف ـ كما قال عيسى ابن مريم للحواريين الآية. وكونه ـ جميع بني إسرائيل لقوله تعالى : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) [الصف : ١٤] ليس بشيء إذ الآية ليست بنص في المدعى إذ يكفي في تحقق الانقسام بلوغ الدعوة إلى الجميع ، و ـ الأنصار ـ جمع نصير كالأشراف جمع شريف ، وقال قوم : هو جمع نصر ، وضعفه أبو البقاء إلا أن يقدر فيه مضاف أي من صاحب نصرى ، أو تجعله مصدرا وصف به ، والجار والمجرور إما أن يتعلق بمحذوف وقع حالا من الياء وهي مفعول به معنى ، والمعنى من ينصرني حال كوني ملتجئا إلى الله تعالى أو ذاهبا إلى الله ، إما أن يتعلق ـ بأنصاري ـ مضمنا معنى الإضافة أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله في نصري ، وفي الكشاف في تفسير سورة الصف ما حاصله مما يخالف ما ذكره هنا أن إضافة أنصار ـ للياء إضافة ملابسة أي من حزبي ومشاركي في توجهي لنصرة الله تعالى ليطابق جوابهم الآتي ولا يصح أن يكون معناه من ينصرني مع الله لعدم المطابقة ، وفيه أن عدم المطابقة غير مسلم إذ نصرة الله تعالى في الجواب ليست على ظاهرها بل لا بد من تجوز ، أو إضمار في نصرهم لله تعالى ويضمر ما تحصل به المطابقة ، نعم كون (إِلَى) بمعنى ـ مع ـ لا يخلو عن شيء فقد ذكر الفراء أنها إنما تكون كذلك إذا ضم شيء آخر نحو الذود إلى الذود إبل أي إذا ضممته إليه صار إبلا ، ألا تراك تقول قدم زيد ومعه مال ، ولا تقول : وإليه مال ـ وكذا نظائره ـ فالسالم عن هذا الحمل من التفاسير مع اشتماله على قلة الإضمار أولى ، و (مَنْ) هنا اختار بعضهم كون إلى بمعنى اللام ، وآخرون كونها بمعنى ـ في ..
وقال في الكشف لعل الأشبه في معنى الآية ـ والله تعالى أعلم ـ أن يحمل على معنى ـ من ينصرني منهيا نصره إلى الله تعالى ـ كما يقتضيه حرف الانتهاء دون تضمين كأنه عليهالسلام طلب منهم أن ينصروه لله تعالى لا لغرض آخر مدمجا أن نصرة الله تعالى في نصرة رسوله ، وجوابهم المحكي عنهم بقوله سبحانه :
(قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) شديد الطباق له كأنهم قالوا : نحن ناصروك لأنه نصر الله تعالى للغرض الذي رمز إليه ، ولو قالوا مكانه : نحن أنصارك لما وقع هذا الموقع انتهى.
وأنت تعلم أن جعل (إِلَى) بمعنى اللام ، أو في التعليليتين يحصل طلبة المسيح التي أشير إليها على وجه لعله أقل تكلفا مما ذكر ، وكأن اختيار ذلك لما قاله الزجاج : من أنه لا يجوز أن يقال : إن بعض الحروف من حروف المعاني بمعنى الآخر لكن الحرفين قد يتقاربان في الفائدة فيظن الضعيف العلم باللغة أن معناهما واحد وليس بذلك فليفهم ، و ـ الحواريون ـ جمع حواري يقال : فلان حواري فلان أي خاصته من أصحابه وناصره ، وليس الحواري جمعا ككراسي على ما وهم بل هو مفرد منصرف كما صرح به المحققون ، وذكر العلام التفتازاني أنه مفرد وألفه من تغييرات النسب ؛ وفيه أن الألف إذا زيدت في النسبة وغيرت بها تخفف الياء في الأفصح في أمثاله ، والحواري بخلافه لأن تخفيف يائه شاذ كما صرحوا به ، وبه قرئ في الآية ، وأصله من التحوير أي التبييض ، ومنه الخبز الحواري الذي نخل مرة بعد أخرى ؛ والحواريات للحضريات نساء المدن والقرى لما أنه يغلب فيهن البياض لعدم البروز للشمس ، ويطلق الحواري على ـ القصار ـ أيضا لأنه يبيض الثياب وهو بلغة النبط ، هواري بضم الهاء وتشديد الواو وفتح الراء قاله