الله سبحانه ، وتلك الليلة هي الليلة التي تدخن فيها النصارى فلما أصبح الحواريون قصد كل منهم بلدة من أرسله عيسى إليهم.
وروي عن غير واحد أن اليهود لما عزموا على قتله عليهالسلام اجتمع الحواريون في غرفة فدخل عليهم المسيح من مشكاة الغرفة فأخبر بهم إبليس جمع اليهود فركب منهم أربعة آلاف رجل فأخذوا باب الغرفة فقال المسيح للحواريين أيكم يخرج ويقتل ويكون معي في الجنة؟ فقال واحد منهم : أنا يا نبي الله فألقى عليه مدرعة من صوف وعمامة من صوف وناوله عكازه وألقى عليه شبه عيسى عليهالسلام فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه وأما عيسى عليهالسلام فكساه الله النور وقطع عنه شهوة المطعم والمشرب ورفعه إليه ، ثم إن أصحابه لما رأوا ذلك تفرقوا ثلاث فرق فقالت فرقة : كان الله تعالى فينا فصعد إلى السماء ، وقالت فرقة أخرى : كان فينا ابن الله عزوجل ثم رفعه الله سبحانه إليه ، وقالت فرقة أخرى منهم : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه إليه وهؤلاء هم المسلمون ، فتظاهرت عليهم الفرقتان الكافرتان فقتلوهم فلم يزل الإسلام مندرس الآثار إلى أن بعث الله تعالى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ، وروي عن ابن إسحاق أن اليهود عذبوا الحواريين بعد رفع عيسى عليهالسلام ولقوا منهم الجهد فبلغ ذلك ملك الروم وكان ملك اليهود من رعيته واسمه داود بن نوذا فقيل له : إن رجلا من بني إسرائيل ممن تحت أمرك كان يخبرهم أنه رسول الله تعالى وأراهم إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ـ فعل وفعل ـ فقال : لو علمت ذلك ما خليت بينهم وبينه ثم بعث إلى الحواريين فانتزعهم من أيديهم وسألهم عن عيسى عليهالسلام فأخبروه فبايعهم على دينهم وأنزل المصلوب فغيبه وأخذ الخشبة فأكرمها ثم غزا بني إسرائيل فقتل منهم خلقا عظيما ، ومنه ظهر أصل النصرانية في الروم ثم جاء بعده ملك آخر يقال له طيطوس وغزا بيت المقدس بعد رفع عيسى عليهالسلام بنحو من أربعين سنة فقتل وسبى ولم يترك في بيت المقدس حجرا على حجر فخرج عند ذلك قريظة ، والنضير إلى الحجاز.
هذا وأصل المكر قيل : الشر ، ومنه «مكر الليل» إذا أظلم ، وقيل : الالتفات ومنه ـ المكوّر ـ لضرب من الشجر ذي التفاف ، واحده مكر ، والممكورة من النساء للملتفة الخلق مطويته وفسره البعض بصرف الغير عما يقصده بحيلة ، وآخرون باختداع الشخص لإيقاعه في الضرر ، وفرقوا بينه وبين الحيلة بأنها قد تكون لإظهار ما يسر من الفعل من غير قصد إلى الإضرار ، والمكر حيلة على الشخص توقعه في مثل الوهق ، وقالوا : لا يطلق على الله تعالى إلا بطريق المشاكلة لأنه منزه عن معناه وغير محتاج إلى حيلة فلا يقال ابتداء مكر الله سبحانه ـ وإلى ذلك ذهب العضد وجماعة ـ وخالفهم الأبهري. وغيره فجوزوا الإطلاق بلا مشاكلة مستدلين بقوله تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ) [الأعراف : ٩٩] فإنه نسب إليه سبحانه ابتداء.
ونقل عن الإمام أن المكر إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفي فيه ، وأنه يجوز صدوره عنه تعالى حقيقة ، وقال غير واحد : إنه عبارة عن التدبير المحكم وهو ليس بممتنع عليه تعالى ، وفي الحديث «اللهم امكر لي ولا تمكر بي» ومن ذهب إلى عدم الإطلاق ـ إلا بطريق المشاكلة ـ أجاب عن الاستدلال بالآية ونحوها بأن ذلك من المشاكلة التقديرية كما في قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) [البقرة : ١٣٨] ولا يخفى ما فيه ، فالأولى القول بصحة الإطلاق عليه سبحانه ابتداء بالمعنى اللائق بجلاله جل جلاله ، ومما يؤيد ذلك قوله سبحانه : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أي أقواهم مكرا وأشدهم ، أو أن مكره أحسن وأوقع في محله لبعده عن الظلم فإنه يبعد المشاكلة (إِذْ قالَ اللهُ) ظرف ـ لمكر ـ أو بمحذوف نحو وقع ذلك ولو قدر اذكر ـ كما في أمثاله ـ لم يبعد وتعلقه بالماكرين بعيد إذ لا يظهر وجه حسن لتقييد قوة مكره تعالى بهذا الوقت (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : هذا من