رفع إلى السماء الرابعة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رفعه إلى السماء الدنيا فهو فيها يسبح مع الملائكة ثم يهبطه الله تعالى عند ظهور الدجال على صخرة بيت المقدس.
وفي الخازن أن سبحانه لما رفعه عليهالسلام إليه كساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش وصار إنسيا ملكيا أرضيا سماويا ، وأورد بعض الناس هاهنا إشكالات وهي أن الله تعالى كان قد أيده بجبريل عليهالسلام كما قال سبحانه : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البقرة : ٨٧ ، ٢٥٣] ثم إن طرف جناح من أجنحة جبريل كان يكفي للعالم فكيف لم يكف في منع أولئك اليهود عنه؟! وأيضا أنه عليهالسلام لما كان قادرا على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فكيف لم يقدر على إماتتهم ودفع شوكتهم. أو على إسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين من التعرض له؟ وأيضا لما خلصه من الأعداء بأن رفعه إلى السماء فما الفائدة في إلقاء شبهه على الغير؟ وأجيب عن الكل بأن بناء التكليف على الاختيار ، ولو أقدر الله تعالى جبريل ، أو عيسى عليهماالسلام على دفع الأعداء ، أو رفعه من غير إلقاء شبهه إلى السماء لبلغت معجزته إلى حد الإلجاء ، والقول ـ بأن فتح باب إلقاء الشبه يوجب ارتفاع الأمان عن المحسوسات وأنه يفضي إلى سقوط الشرائع وإبطال التواتر ، وأيضا إن في ذلك الإلقاء تمويها وتخليطا وذلك لا يليق بحكمة الله تعالى ـ ليس بشيء ، أما أولا فلأن إلقاء شبه شخص على آخر وإن كان ممكنا في نفسه إلا أن الأصل عدم الإلقاء واستقلال كل من الحيوان بصورته التي هي له ، نعم لو أخبر الصادق بإلقاء صورة شخص على آخر قلنا به واعتقدناه فحينئذ لا يرتفع الأمان عن المحسوسات بل هي باقية على الأصل فيها فيما لم يخبر الصادق بخلافه على أن إبطال التواتر بفتح هذا الباب ممنوع لأنه لم يشترط في الخبر أن يكون عن أمر ثابت في نفس الأمر بل يكفي فيه كونه عن أمر محسوس على ما قاله بعض المحققين ، وأما ثانيا فلأن التمويه والتلبيس إن كان على الأعداء فلا نسلم أنه مما لا يليق بالحكمة وإن كانت النجاة مما تمكن بدون الإلقاء وإن كان ذلك على أوليائه فلا نسلم أن في الإلقاء تمويها لأنهم كانوا عارفين يقينا إن المطلوب الشبه لا عيسى عليهالسلام كما ستعرفه إن شاء الله تعالى ، والقول ـ بأن المطلوب قد ثبت بالتواتر أنه بقي حيا زمانا طويلا فلو لا أنه كان عيسى لأظهر الجزع وعرف نفسه ولو فعل ذلك لاشتهر وتواتر ـ ليس بشيء أيضا ، أما أولا فلأن دعوى تواتر بقاء المصلوب حيا زمانا طويلا مما لم يثبتها برهان. والثابت أن المصلوب إنما صلب في الساعة الثانية من يوم الجمعة ومات في الساعة السادسة من ذلك اليوم وأنزل ودفن ، ومقدار أربع ساعات لا يعد زمانا طويلا كما لا يخفى ، وأما ثانيا فلأن عدم تعريف المصلوب نفسه إما لأنه أدركته دهشة منعته من البيان والإيضاح ، أو لأن الله تعالى أخذ على لسانه فلم يستطع أن يخبر عن نفسه صونا لنبيه عليهالسلام أن يفصح الرجل عن أمره ، أو لأنه لصديقيته آثر المسيح بنفسه وفعل ذلك بعهد عهده إليه رغبة في الشهادة ، ولهذا ورى في الجواب الذي نقلته النصارى في القصة وقد وعد المسيح عليهالسلام التلاميذ ـ على ما نقلوا قبل ـ بقولهم لو دفعنا إلى الموت معك لمتنا والشبه من جملتهم فوفى بما وعد من نفسه على عادة الصديقين من أصحاب الأنبياء عليهمالسلام فهو من (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٢٣] ، ومن ذهب إلى أن الشبه كان من الأعداء لا من الأولياء روي أنه جعل يقول لليهود عند الصلب : لست المسيح وإنما أنا صاحبكم لكنه لم يسمع ولم يلتفت إلى قوله وصلبوه ، والقول ـ بأنه لو كان ذلك لتواتر ـ لا يخفى ما فيه لمن أحاط بما ذكرناه خبرا فتأمل (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يحتمل أن يكون تطهيره عليهالسلام بتبعيده منهم بالرفع ، ويحتمل أن يكون بنجاته مما قصدوا فعله به من القتل ، وفي الأول جعلهم كأنهم نجاسة ، وفي الثاني جعل فعلهم كذلك والأول هو الظاهر ـ وإلى الثاني ذهب الجبائي.