للصدقات وتذكيره لإجرائه مجرى ذلك فإنه كثيرا ما يشار به إلى المتعدد كقوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) [آل عمران : ١٥] بعد ذكر الشهوات المعدودة ، وقد روي عن أبي عبيدة أنه قال : قلت لرؤبة في قوله :
فيها خطوط من سواد وبلق |
|
كأنه في الجلد توليع البهق |
إن أردت الخطوط : فقل كأنها ، وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما ، فقال : أردت كأن ذلك ويلك ، أو للصداق الواقع موقعه (صَدُقاتِهِنَ) كأنه قيل : وآتوا النساء صداقهن والحمل على المعنى كثير ، ومنه قوله تعالى : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) [المنافقون : ١٠] حيث عطف على ما دل عليه المذكور ووقع موقعه ، أو للصداق الذي في ضمن الجمع لأن المعنى آتوا كل واحدة من النساء صداقا ، وقيل : الضمير عائد إلى الإيتاء ، واعترض بأنه إنما يستقيم إذا أريد به المأتي ، ورجوع ضمير إلى مصدر مفهوم ، ثم تأويل ذلك المصدر بمعنى المفعول لا يخلو عن بعد ، واللام متعلقة بالفعل وكذا عن بتضمينه معنى التجافي والتباعد ، وإلا فأصله أن يتعدى لمثل ذلك بالباء كقوله : * وما كاد نفسا بالفراق تطيب* ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لشيء أي كائن من الصداق ، وفيه بعث لهنّ على تقليل الموهوب حتى نقل (١) عن الليث أنه لا يجوز تبرعهن إلا باليسير ولا فرق بين المقبوض وما في الذمة إلا أن الأول هبة والثاني إبراء ، ولذلك تعامل الناس على التعويض فيه ليرتفع الخلاف (نَفْساً) تمييز لبيان الجنس ولذا وحد ، وتوضيح ذلك على ما ذكره بعض المحققين أن التمييز ـ كما قاله النحاة ـ إن اتحد معناه بالمميز وجبت المطابقة نحو كرم الزيدون رجالا كالخبر والصفة والحال ، وإلا فإن كان مفردا غير متعدد وجب إفراده نحو ـ كرم بنو فلان أبا ـ إذا المراد أن أصلهم واحد ، متصف بالكرم فإن تعدد وألبس وجب خلفه بظاهر نحو ـ كرم الزيدون آباء إذا أريد أن لكل منهم أبا كريما إذ لو أفرد توهم أنهم من أب واحد ، والغرض خلافه وإن لم يلبس جاز الأمران ، ومصحح الإفراد عدم الإلباس كما هنا لأنه لا يتوهم أن لهن نفسا واحدة ومرجحه أنه الأصل مع خفته ومطابقته لضمير منه ، وهو اسم جنس والغرض هنا بيان الجنس ، والواحد يدل عليه كقولك : عشرون درهما والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصداق متجافيا عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاملتكم ، وإنما أوثر ما في النظم الكريم دون فإن وهبن لكم شيئا منه عن طيب نفس إيذانا بأن العمدة في الأمر طيب النفس وتجافيها عن الموهوب بالمرة حيث جعل ذلك مبتدأ وركنا من الكلام لا فضلة كما في التركيب المفروض (فَكُلُوهُ) أي فكلوا ذلك الشيء الذي طابت لكم عنه نفوسهن وتصرفوا فيه تملكا ، وتخصيص الأكل بالذكر لأنه معظم وجوه التصرفات المالية.
(هَنِيئاً مَرِيئاً) صفتان من ـ هنؤ الطعام يهنؤ هناءة. ومرؤ يمرؤ مراءة ـ إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبا.
وفي الصحاح نقلا عن الأخفش يقال : هنؤ وهنئ ومرؤ ومرئ ، كما يقال : فقه وفقه ـ بكسر القاف وضمها ـ ويقال : هنأني الطعام يهنئني ويهنأني ولا نظير له في المهموز هنأ وهنأ ، وتقول : هنئت الطعام أي تهنأت به وكذا يقال : مرأني الطعام يمرأ مرءا ، وقال بعضهم : أمرأني ، وقال الفراء : يقال : هنأني الطعام ومرأني بغير ألف فإذا أفردوها عن هنأني قالوا : أمرأني ، وقيل الهنيء الذي يلذه الآكل ، والمريء ما تحمد عاقبته ، وقيل : ما ينساغ في مجراه الذي هو المريء كأمير ـ وهو رأس المعدة ، والكرش اللاصق بالحلقوم سمي به لمرور الطعام فيه أي انسياغه ، وانتصابهما ـ كما قال الزمخشري ـ على أنهما صفتان للمصدر أي أكلا هنيئا مريئا ووصف المصدر بهما كما قال السعد : على الإسناد
__________________
(١) وعن الأوزاعي ـ كما في الكشاف ـ لا يجوز تبرعها ما لم تلد. أو تقم في بيت زوجها سنة ا ه منه.