امرأة الأب وأخت امرأة الجد لا تحرم عليه انتهى ، ولا يخفى أنه كما يحرم على الرجل أن يتزوج بمن ذكر يحرم على المرأة التزوج بنظير من ذكر.
والظاهر أن هذا التحريم الذي دلت عليه الآية لم يثبت في جميع المذكورات في سائر الأديان ، نعم ذكروا أن حرمة الأمهات ، والبنات كانت ثابتة حتى في زمان آدم عليهالسلام ولم يثبت حل نكاحهن في شيء من الأديان ، وقيل : إن زرادشت نبي المجوس بزعمهم قال بحله ، وأكثر المسلمين اتفقوا على أنه كان كذابا ، وعدم إيذاء الصفر المذاب له لأدوية كان يلطخ بها جسده ، وقد شاهدنا من يحمل النار بيده بعد لطخها بأدوية مخصوصة ولا تؤذيه ـ وحينئذ لا يصلح أن يكون معجزة.
وأما نكاح الأخوات فقد قيل : إنه كان مباحا في زمان آدم عليهالسلام للضرورة وكانت حواء عليهاالسلام تلد في كل بطن ذكرا وأنثى فيأخذ ذكر البطن الثانية أنثى البطن الأولى ، وبعض المسلمين ينكر ذلك ويقول : إنه بعث الحور من الجنة حتى تزوج بهن أبناء آدم عليهالسلام ، ويرد عليه أن هذا النسل حينئذ لا يكون محض أولاد آدم وذلك باطل الإجماع (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) عطف على سابقه والرضاعة بفتح الراء مصدر رضع كسمع وضرب ، ومثله الرضاعة بالكسر ، والرضع بسكون الضاء وفتحها ، والرضاع كالسحاب ، والرضع كالكتف ، وحكوا رضع ككرم ورضاعا كقتال ، وقد تبدل ضاده تاء ، ورضاعا كسؤال لكن المضموم كالمراضعة تقتضي الشركة ، ويقال : أرضعت المرأة فهي مرضع إذا كان لها ولد ترضعه فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت : مرضعة ، ومعناها لغة مص الثدي ، وشرعا مص الرضيع من ثدي الآدمية في وقت مخصوص ، وأرادوا بذلك وصول اللبن من ثدي المرأة إلى جوف الصغير من فمه أو أنفه في المدة الآتية سواء وجد مص أو لم يوجد ، وإنما ذكروا المص لأنه سبب للوصول فأطلقوا السبب وأرادوا المسبب ، وقد صرح في الخانية أنه لا فرق بين المص والسعوط ونحوه ، وقيدوا بالآدمية ليخرج الرجل والبهيمة ، وتفرد الإمام البخاري ـ وهو سبب فتنته في قول ـ فذهب فيما إذا ارتضع صبي وصبية من ثدي شاة إلى وقوع الحرمة بينهما وأطلقت لتشمل البكر والثيب الحية والميتة ، وقيدنا بالفم والأنف ليخرج ما إذا وصل بالإقطار في الأذن. والإحليل والجائفة والآمة وبالحقنة في ظاهر الرواية ، وخرج بالوصول ما لو أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم رضيع ولا تدري أدخل اللبن في حلقه أم لا لا يحرم النكاح لأن في المانع شكا ، وقد نزل الله سبحانه الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة أما للرضيع ، والمراضعة أختا ، وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه وأخته عمته ، وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه ، وأم المرضعة جدته ، وأختها خالته ، وكل ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخواته لأبيه وأمه ، ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه ، ومن هنا قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة ، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم : «يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب».
وذهب كثير من المحققين كمولانا شيخ الإسلام ، وغيره إلى أن الحديث جار على عمومه وأما أم أخيه لأب وأخت ابنه لأم وأم أم ابنه وأم عمه وأم خاله لأب فليست حرمتهن من جهة النسب حتى تخل بعمومه ضرورة حلهن في صورة الرضاع بل من جهة المصاهرة ، ألا يرى أن الأولى موطوءة أبيه ، والثانية بنت موطوءته والثالثة أم موطوءته. والرابعة موطوءة جده الصحيح ، والخامسة موطوءة جده الفاسد ، ووقع في عبارة بعضهم استثناء صور بعد سوق الحديث ، وأنهى في البحر المسائل المستثنيات إلى إحدى وثمانين مسألة ، وأطال الكلام في هذا المقام ، وأتى بالعجب العجاب ، وظاهر الآية أنه لا فرق بين قليل الرضاع وهو ما يعلم وصوله إلى الجوف وكثيره في التحريم ، وأما