للتشنيع عليهم نحو (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) [آل عمران : ١٣٠] في قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) ولو لا ما ذكر لثبتت الإباحة عند انتفائه بدلالة اللفظ في غير محل النطق عند من يعتبر مفهوم المخالفة وبالرجوع إلى الأصل وهو الإباحة عند من لا يعتبر المفهوم لأن الخروج عنه إلى التحريم مقيد بقيد فإذا انتفى القيد رجع إلى الأصل لا بدلالة اللفظ ، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه يقول بحل الربيبة إذا لم تكن في الحجر ؛ فقد أخرج عبد الرزاق. وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس قال : «كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها فلقيني عليّ بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه فقال : ما لك؟ فقلت: توفيت المرأة فقال : لها بنت؟ قلت : نعم وهي بالطائف قال : كانت في حجرك؟ قلت : لا قال : أنكحها قلت : فأين قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)؟ قال : إنها لم تكن في حجرك إنما ذلك إذا كانت في حجرك» وإلى هذا ذهب داود ، والأول مذهب الجمهور ، وإليه رجع ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، ويدخل في الحرمة بنات الربيبة والربيب وإن سفلن لأن الاسم يشملهن بخلاف الأبناء والآباء لأنه اسم خاص بهن فلذا جاز التزوج بأم زوجة الابن وبنتها ، وجاز للابن التزوج بأم زوجة الأب وبنتها.
وقال بعض المحققين : إن ثبوت حرمة المذكورات بالإجماع (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من (رَبائِبُكُمُ) أو من ضميرها المستكن في الظرف أي اللاتي استقررن في حجوركم كائنات من نسائكم إلخ ، و (اللَّاتِي) صفة للنساء المذكور قبله ، وهي للتقييد إذ ربيبة الزوجة الغير المدخول بها ليست بحرام ولا يجوز كون الجار حالا من أمهات أيضا ، أو مما أضيفت هي إليه ضرورة أن الحالية من ربائبكم أو من ضميره يقتضي كون (مِنَ) ابتدائية وحاليته من أمهات ، أو (مِنْ نِسائِكُمُ) يستدعي كونها بيانية ، وادعاء كونها اتصالية كما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وقوله :
إذا حاولت في أسد فجورا |
|
فلست (١) منك ولست مني |
وهو معنى ينتظم الابتداء والبيان فيتناول اتصال الأمهات بالنساء لأنهن والدات ، وبالربائب لأنهن مولودات ، أو جعل الموصول صفة للنساءين مع اختلاف عامليهما لأن النساء المضاف إليه أمهات مخفوض بالإضافة ، والمجرور بمن بها بعيد جدا بل ينبغي أن ينزه ساحة التنزيل عنه ، وأما القراءة فضعيفة الرواية ، وعلى تقدير الصحة محمولة على النسخ كما قاله شيخ الإسلام ، والباء من بهن للتعدية ، وفيها معنى المصاحبة أو بمعنى مع أي دخلتم معهن الستر ، وهو كناية عن الجماع ـ كبنى عليها ، وضرب عليها الحجاب ـ وكثير من الناس يقول : بنى بها ، ووهمهم الحريري ـ وهو وهم ـ واللمس ونظائره في حكم الجماع عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه ، قال بعض الفضلاء : واعترض بأن ما ذهب إليه لا مجال له لأن صريح الآية غير مراد قطعا بل ما اشتهر من معناها الكنائي فما قاله إن أثبت بالقياس فهو مخالف لصريح معنى الشرط ، وإذا جاء نهر الله تعالى بطل نهر معقل ، وإن أثبت بالحديث وهو غير مشهور لم يوافق أصوله ، ويدفع بأنه من صريح النص لأن باء الإلصاق صريحة فيه لأنه يقال : دخل بها إذا أمسكها وأدخلها البيت (فإن قلت) هب أن الكناية لا يشترط فيها القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة لكن تلزم إرادته كما حقق في المعاني فلا دلالة للآية عليه (أجيب) بأنه وإن لم يلزم إرادته لكن لا مانع منه عند قيام قرينة على إرادته ، وكفى بالآثار قرينة ، ومنها ما روي من طريق ابن وهب عن أبي أيوب عن ابن جريج «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في الذي يتزوج المرأة فيغمز لا يزيد على ذلك : لا يتزوج ابنتها» وهو مرسل ومنقطع إلا أن هذا لا يقدح عندنا إذا كانت الرجال ثقات فلذا
__________________
(١) قوله : «فلست» إلخ كذا بخط المؤلف وهو غير متزن ، ولعله «فإني لست» أو نحو ذلك فليحرر.