أخرج ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال : لما ظهر رسول اللهصلىاللهعليهوسلم على أهل بدر وأحد وأسلم من حولهم قال سراقة : بلغني أنه عليه الصلاة والسلام يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي من بني مدلج فأتيته فقلت : أنشدك النعمة ، فقالوا : مه ؛ فقال : دعوه ما تريد؟ قلت : بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي ، وأنا أريد أن توادعهم ، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وإن لم يسلموا لم تخش بقلوب قومك عليهم ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيد خالد فقال : اذهب معه فافعل ما يريد فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإن أسلمت قريش أسلموا معهم ومن وصل إليهم من الناس كانوا على مثل عهدهم فأنزل الله تعالى (وَدُّوا) حتى بلغ (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) فكان من وصل إليهم كانوا معهم على عهدهم ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك المدلجي ، وفي بني جذيمة بن عامر ولا يجوز أن يكون استثناء من الضمير في (لا تَتَّخِذُوا) وإن كان أقرب لأن اتخاذ الولي منهم حرام مطلقا.
(أَوْ جاؤُكُمْ) عطف على الصلة أي والذين (جاؤُكُمْ) كافين من قتالكم وقتال قومهم ، فقد استثني من المأمور بأخذهم وقتلهم فريقان : من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين ؛ ومن أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين ، أو عطف على صفة قوم كأنه قيل : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ) معاهدين ، أو إلى قوم كافين عن القتال لكم وعليكم ، والأول أرجح رواية ودراية إذ عليه يكون لمنع القتال سببان : الاتصال بالمعاهدين ، والاتصال بالكافين وعلى الثاني يكون السببان الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالكافين لكن قوله تعالى الآتي : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ) إلخ يقرر أن أحد السببين هو الكف عن القتال لأن الجزاء مسبب عن الشرط فيكون مقتضيا للعطف على الصلة إذ لو عطف على الصفة كان أحد السببين الاتصال بالكافين لا الكف عن القتال ، فإن قيل : لو عطف على الصفة تحققت المناسبة أيضا لأن سبب منع التعرض حينئذ الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالكافين ، والاتصال بهؤلاء وهؤلاء سبب للدخول في حكمهم ، وقوله سبحانه : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ) يبين حكم الكافين لسبق حكم المتصلين بهم ، أجيب : بأن ذلك جائز إلا أن الأول أظهر وأجري على أسلوب كلام العرب لأنهم إذا استثنوا بينوا حكم المستثنى تقريرا وتوكيدا ، وقال الإمام : جعل الكف عن القتال سببا لترك التعرض أولى من جعل الاتصال بمن يكف عن القتال سببا لترك التعرض لأنه سبب بعيد على أن المتصلين بالمعاهدين ليسوا معاهدين لكن لهم حكمهم بخلاف المتصلين بالكافين فإنهم إن كفوا فهم هم وإلا فلا أثر له ، وقرأ أبي (جاؤُكُمْ) بغير أو على أنه استئناف وقع جوابا لسؤال كأنه قيل : كيف كان الميثاق بينكم وبينهم؟ فقيل : (جاؤُكُمْ) إلخ ، وقيل : يقدر السؤال كيف وصلوا إلى المعاهدين ، ومن أين علم ذلك ، وليس بشيء ، أو على أنه صفة بعد صفة لقوم ، أو بيان ليصلون ، أو بدل منه ، وضعف أبو حيان البيان بأنه لا يكون في الأفعال ، والبدل بأنه ليس إياه ولا بعضه ولا مشتملا عليه ، وأجيب بأن الانتهاء إلى المعاهدين والاتصال بهم حاصله الكف عن القتال فصح جعل مجيئهم إلى المسلمين بهذه الصفة ، وعلى هذه العزيمة بيانا لاتصالهم بالمعاهدين ، أو بدلا منه كلّا أو بعضا أو اشتمالا وكون ذلك لا يجري في الأفعال لا يقول به أهل المعاني ، وقيل : هو معطوف على حذف العاطف ، وقوله تعالى : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) حال بإضمار قد ويؤيده قراءة الحسن ـ حصرة صدورهم ـ وكذا قراءة ـ حصرات ، وحاصرات ـ واحتمال الوصفية السببية لقوم لاستواء النصب والجر بعيد.
وقيل : هو صفة لموصوف محذوف هو حال من فاعل «جاءوا» أي جاءوكم قوما (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ولا حاجة حينئذ إلى تقدير قد ، وما قيل : إن المقصود بالحالية هو الوصف لأنها حال موطئة فلا بد من قد سيما عند