وأخرج ابن جرير عن السدي قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية عليها أسامة بن زيد إلى بني ضمرة فلقوا رجلا منهم يدعى مرداس بن نهيك معه غنيمة له وجمل أحمر فآوى إلى كهف جبل واتبعه أسامة فلما بلغ مرداس الكهف وضع فيه غنمه ثم أقبل عليهم فقال : السلام عليكم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فشد عليه أسامة فقتله من أجل جمله وغنيمته ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا بعث أسامة أحب أن يثني عليه خيرا ويسأل عنه أصحابه ، فلما رجعوا لم يسألهم عنه فجعل القوم يحدثون النبي صلىاللهعليهوسلم ويقولون : يا رسول الله لو رأيت أسامة وقد لقيه رجل فقال الرجل : لا إله إلا الله محمد رسول الله فشد عليه فقتله وهو معرض عنهم فلما أكثروا عليه رفع رأسه إلى أسامة فقال : كيف أنت ولا إله إلا الله؟! فقال يا رسول الله إنما قالها متعوذا يتعوذ بها فقال عليه الصلاة والسلام : هلا شققت عن قلبه فنظرت إليه؟!» ثم نزلت الآية.
وأخرج عن ابن زيد أنها نزلت في رجل قتله أبو الدرداء ، وذكر من قصته مثل ما ذكر من قصة أسامة ، والاقتصار على ذكر تحية الإسلام على هذا ـ مع أنها كانت مقرونة بكلمة الشهادة ـ للمبالغة في النهي والزجر ، والتنبيه على كمال ظهور خطئهم ببيان أن التحية كانت كافية في المكافة والانجزار عن التعرض لصاحبها. فكيف وهي مقرونة بتلك الكلمة الطيبة ، واستدل بالآية وسياقها على صحة إيمان المكره ، وإن المجتهد قد يخطئ وإن خطأه مغتفر ، وجه الدلالة على الأول أنه مع ظن القاتلين أن إسلام من ذكر لخوف القتل وهو إكراه معنى أنكر عليهم قتله فلو لا صحة إسلامه لم ينكر ، ووجه الدلالة على الثاني أنه أمر فيها بالتبيين المشعر بأن العجلة خطأ.
ووجه الدلالة على الثالث مأخوذ من السياق وعدم الوعيد على ترك التبيين ، وذهب بعضهم إلى أنه لا عذر في ترك التثبت في مثل هذه الأمور ، وأن المخطئ آثم ، واحتج على ذلك بما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن «أن ناسا من أصحاب رسول الله ذهبوا يتطرقون فلقوا ناسا من العدو فحملوا عليهم فهزموهم فشد رجل منهم فتبعه رجل يريد متاعه فلما غشيه بالسنان قال : إني مسلم إني مسلم فأوجره السنان فقتله وأخذ متيعه ، فرفع ذلك إلى رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام للقاتل : أقتلته بعد ما قال : إني مسلم؟! قال : يا رسول الله إنما قالها متعوذا قال : أفلا شققت عن قلبه؟! قال لم يا رسول الله؟ قال : لتعلم أصادق هو أو كاذب؟ قال : كنت عالم ذلك يا رسول الله قال عليه الصلاة والسلام : إنما كان يبين عنه لسانه إنما كان يعبر عنه لسانه ، قال : فما لبث القاتل أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد وضعته الأرض ، ثم عادوا فحفروا له ، فأصبح وقد وضعته الأرض إلى جنب قبره ، قال الحسن فلا أدري كم ، قال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم دفناه مرتين ، أو ثلاثا كل ذلك لا تقبله الأرض فلما رأينا الأرض لا تقبله أخذنا برجله فألقيناه في بعض تلك الشعاب» فأنزل الله تعالى قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، وفي رواية عبد الرزاق عن قتادة «أن النبيصلىاللهعليهوسلم قال : إن الأرض أبت أن تقبله فألقوه في غار من الغيران». ووجه الدلالة في هذا على الإثم ظاهر ، وأجيب بأن هذا القاتل لعله لم يفعل ذلك لكون المقتول غير مقبول الإسلام عنده بل لأمر آخر ، واعتذر بما اعتذر كاذبا بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد وابن المنذر والطبراني وجماعة عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال : بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى إضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود معه متيع له ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه فقتله وأخذ متيعه فلما قدمنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ ، والظاهر أن الرجل المبهم في خبر الحسن هو هذا الرجل المصرح به في هذا الخبر ، وهو يدل على أن القتل كان لشيء كان في القلب من ضغائن