كانوا مقهورين تحت أيديهم ، وأنهم فعلوا ذلك كارهين ، وعلى التقديرين لم تقبل الملائكة ذلك منهم كما يشير إليه قوله سبحانه : (قالُوا) أي الملائكة (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) أي إن عذركم عن ذلك التقصير بحلولكم بين أهل تلك الأرض أبرد من الزمهرير إذ يمكنكم حل عقدة هذا الأمر الذي أخل بدينكم بالرحيل إلى قطر آخر من الأرض تقدرون فيه على إقامة أمور الدين كما فعل من هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة ، أو إن تعللكم عن الخروج مع أعداء الله تعالى لما يغيظ رسوله صلىاللهعليهوسلم بأنكم مقهورون بين أولئك الأقوام غير مقبول لأنكم بسبيل من الخلاص عن قهرهم متمكنون من المهاجرة عن مجاورتهم والخروج من تحت أيديهم (فَأُولئِكَ) الذين شرحت حالهم الفظيعة (مَأْواهُمْ) أي مسكنهم في الآخرة (جَهَنَّمُ) لتركهم الفريضة المحتومة ، فقد كانت الهجرة واجبة في صدر الإسلام ، وعن السدي كان يقول : من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر ، والأصح الأول أو لنفاقهم وكفرهم ونصرتهم أعداء الله تعالى على سيد أحبائه عليه الصلاة والسلام ، وعدم التقييد بالتأييد ليس نصا في العصيان بما دون الكفر ، وإنما النص التقييد بعدمه ، واسم الإشارة مبتدأ أول ، و (مَأْواهُمْ) مبتدأ ثان ، و (جَهَنَّمُ) خبر الثاني وهما خبر الأول ، والرابط الضمير المجرور ، والمجموع خبر إن ، والفاء لتضمن اسمها معنى الشرط ، وقوله سبحانه : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) في موضع الحال من الملائكة ، وقد معه مقدرة في المشهور ، وجعله حالا ـ من الضمير المفعول بتقدير قد أولا ، ولهم آخرا بعيد ، أو هو الخبر والعائد فيه محذوف أي لهم ، والجملة المصدرة بالفاء معطوفة عليه مستنتجة منه ومما في خبره ، ولا يصح جعل شيء من قالوا الثاني ، والثالث خبرا لأنه جواب ، ومراجعة ـ فمن قال : لو جعل قالوا : الثاني خبرا لم يحتج إلى تقدير عائد فقد ـ وهم ، وقيل : الخبر محذوف تقديره هلكوا ونحوه ، و «تهاجروا» منصوب في جواب الاستفهام وقوله تعالى : (وَساءَتْ) من باب بئس أي بئست (مَصِيراً) والمخصوص بالذم مقدر أي مصيرهم ، أو جهنم.
واستدل بعضهم بالآية على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه ، وهو مذهب الإمام مالك ، ونقل ابن العربي وجوب الهجرة من البلاد الوبيئة أيضا ، وفي كتاب الناسخ والمنسوخ أنها كانت فرضا في صدر الإسلام فنسخت وبقي ندبها ، وأخرج الثعلبي من حديث الحسن مرسلا من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة ، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلىاللهعليهوسلم وقد قدمنا لك ما ينفعك هنا فتذكر (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) استثناء منقطع لأن الموصول وضمائره ، والإشارة إليه بأولئك لمن توفته الملائكة ظالما لنفسه ، فلم يندرج فيهم المستضعفون المذكورون ، وقيل : إنه متصل ، والمستثنى منه «أولئك مأواهم جهنم» وليس بشيء أي إلا الذين عجزوا عن الهجرة وضعفوا (مِنَ الرِّجالِ) كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد (وَالنِّساءِ) كأم الفضل لبابة بنت الحارث أم عبد الله بن عباس وغيرها (وَالْوِلْدانِ) كعبد الله المذكور وغيره رضي الله تعالى عنهم ، والجار حال من المستضعفين ، أو من الضمير المستتر فيه أي كائنين من هؤلاء ، وذكر الولدان للقصد إلى المبالغة في وجوب الهجرة والأمر بها حتى كأنها مما كلف بها الصغار ، أو يقال : إن تكليفهم عبارة عن تكليف أوليائهم بإخراجهم من ديار الكفر ، وأن المراد بهم المراهقون ، أو من قرب عهده بالصغر مجازا كما مر في اليتامى أو أن المراد التسوية بين هؤلاء في عدم الإثم والتكليف ، أو أن العجز ينبغي أن يكون كعجز الولدان ، أو المراد بهم العبيد والإماء.
(لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) أي لا يجدون أسباب الهجرة ومبادئها (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) أي ولا يعرفون طريق الموضع المهاجر إليه بأنفسهم أو بدليل ، والجملة صفة لما بعد من ، أو للمستضعفين لأن المراد به الجنس سواء