لِلْخائِنِينَ) وهم بنو أبيرق ، أو طعمة ومن يعينه ، أو هو ومن يسير بسيرته ، واللام للتعليل ، وقيل : بمعنى عن أي لا تكن لأجلهم أو عنهم (خَصِيماً) أي مخاصما للبرآء ، والنهي معطوف على مقدر ينسحب عليه النظم الكريم كأنه قيل : إنا أنزلنا إليك الكتاب فاحكم به (وَلا تَكُنْ) إلخ ، وقيل : عطف على أنزلنا بتقدير قلنا ، وجوز عطفه على الكتاب لكونه منزلا ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جدا (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) مما قلت لقتادة ، أو مما هممت به في أمرت طعمة وبراءته لظاهر الحال ، وما قاله صلىاللهعليهوسلم لقتادة ، وكذا الهمّ بالشيء خصوصا إذ يظن أنه الحق ليس بذنب حتى يستغفر منه لكن لعظم النبي صلىاللهعليهوسلم وعصمة الله تعالى له وتنزيهه عما يوهم النقص وحاشاه ـ أمره بالاستغفار لزيادة الثواب وإرشاده إلى التثبت وأن ما ليس بذنب مما يكاد يعدّ حسنة من غيره إذا صدر منه عليه الصلاة والسلام بالنسبة لعظمته ومقامه المحدود يوشك أن يكون كالذنب فلا متمسك بالأمر بالاستغفار في عدم العصمة كما زعمه البعض ، وقيل : يحتمل أن يكون المراد (وَاسْتَغْفِرِ) لأولئك الذين برءوا ذلك الخائن (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) مبالغا في المغفرة والرحمة لمن استغفره ، وقيل : لمن استغفر له (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) أي يخونونها وجعلت خيانة الغير خيانة لأنفسهم لأن وبالها وضررها عائد عليهم ، ويحتمل أنه جعلت المعصية خيانة فمعنى (يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) يظلمونها باكتساب المعاصي وارتكاب الآثام ، وقيل : الخيانة مجاز عن المضرة ولا بعد فيه ، والمراد بالموصول إما السارق أو المودع المكافر وأمثاله ، وإما هو ومن عاونه فإنه شريك له في الإثم والخيانة ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو عليه الصلاة والسلام المقصود بالنهي ، والنهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي مرتكبا للمنهي عنه ، وقد يقال : إن ذلك من قبيل (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ومن هنا قيل : المعنى لا تجادل أيها الإنسان.
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً) كثير الخيانة مفرطا فيها (أَثِيماً) منهمكا في الإثم ، وتعليق عدم المحبة المراد منه البغض والسخط بصيغة المبالغة ليس لتخصيصه بل لبيان إفراط بني أبيرق وقومهم في الخيانة والإثم.
وقال أبو حيان : أتي بصيغة المبالغة فيهما ليخرج منه من وقع منه الإثم والخيانة مرة ومن صدر منه ذلك على سبيل الغفلة وعدم القصد ، وليس بشيء ، وإرداف الخوان بالأثيم قيل : للمبالغة ، وقيل : إن الأول باعتبار السرقة أو إنكار الوديعة ، والثاني باعتبار تهمة البريء ، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقدمت صفة الخيانة على صفة الإثم لأنها سبب له ، أو لأن وقوعهما كان كذلك ، أو لتواخي الفواصل على ما قيل : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) أي يستترون منهم حياء وخوفا من ضررهم ، وأصل ذلك طلب الخفاء وضمير الجمع عائد على الذين (يَخْتانُونَ) على الأظهر ، والجملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب ، وقيل : هي في موضع الحال من «من» (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) أي ولا يستحيون منه سبحانه وهو أحق بأن يستحى منه ويخاف من عقابه ، وإنما فسر الاستخفاء منه تعالى بالاستحياء لأن الاستتار منه عز شأنه محال فلا فائدة في نفيه ولا معنى للذم في عدمه. وذكر بعض المحققين أن التعبير بذلك من باب المشاكلة (وَهُوَ مَعَهُمْ) على الوجه اللائق بذاته سبحانه ، وقيل : المراد أنه تعالى عالم بهم وبأحوالهم فلا طريق إلى الاستخفاء منه تعالى سوى ترك ما يؤاخذ عليه ؛ والجملة في موضع الحال من ضمير يستخفون (إِذْ يُبَيِّتُونَ) أي يدبرون ولما كان أكثر التدبير مما يبيت عبر به عنه والظرف متعلق بما تعلق به ما قبله ، وقيل : متعلق ب (يَسْتَخْفُونَ).
(ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) من رمي البريء وشهادة الزور. قال النيسابوري : وتسمية التدبير وهو معنى في النفس قولا لا إشكال فيها عند القائلين بالكلام النفسي ؛ وأما عند غيرهم فمجاز ، أو لعلهم اجتمعوا في الليل ورتبوا كيفية المكر فسمى الله تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيت الذي لا يرضاه سبحانه ، وقد تقدم لك في المقدمات ما ينفعك هاهنا فتذكر (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ) أي بعملهم أو بالذي يعملونه من الأعمال الظاهرة والخافية (مُحِيطاً) أي