لمكان الريب الحاجب وفساد جوهر القلب وزوال الاستعداد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) إلى الحق ولا إلى الكمال لعدم قبولهم ذلك (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) لمناسبتهم إياهم وشبيه الشيء منجذب إليه (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لعدم الجنسية (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) أي أيطلبون التعزز بهم في الدنيا والتقوى بمالهم وجاههم (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) فلا سبيل لهم إليها إلا منه سبحانه عزوجل ، ثم ذكر سبحانه من وصف المنافقين أنهم ـ إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ـ لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لعدم استعدادهم واستيلاء الهوى عليهم (يُراؤُنَ النَّاسَ) لاحتجابهم بهم عن رؤية الله تعالى (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) لأنهم لا يذكرونه إلا باللسان وعند حضورهم بين الناس بخلاف المؤمنين الصادقين فإنهم إذا قاموا إلى الصلاة يطيرون إليها بجناحي الرغبة والرهبة بل يحنون إلى أوقاتها.
حنين أعرابية حنت إلى |
|
أطلال نجد فارقته ومرخه |
ومن هنا كان صلىاللهعليهوسلم يقول لبلال : «أرحنا يا بلال» يريد عليه الصلاة والسلام أقم لنا الصلاة لنصلي فنستريح بها لا منها ، وظن الأخير برسول الله صلىاللهعليهوسلم كفر والعياذ بالله تعالى ؛ وإذا عبدوا لا يرون إلا الله تعالى ، وما قدر السوي عندهم ليراءوه؟ وإن كل جزء منهم يذكر الله تعالى ، نعم إنهم قد يشتغلون به عنه فهناك لا يتأتى لهم الذكر ، وقد عد العارفون الذكر لأهل الشهود ذنبا ، ولهذا قال قائلهم :
بذكر الله تزداد الذنوب |
|
وتنكشف الرذائل والعيوب |
وترك الذكر أفضل كل شيء |
|
وشمس الذات ليس لها مغيب |
لكن ذكر بعضهم أنه لا يصل العبد إلى ذلك المقام إلا بكثرة الذكر ، وأشار إلى مقام عال من قال :
لا يترك الذكر إلا من يشاهده |
|
وليس يشهده من ليس يذكره |
والذكر ستر على مذكوره ستر |
|
فحين أذكره في الحال يستره |
فلا أزال على الأحوال أشهده |
|
ولا أزال على الأنفاس أذكره |
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لئلا تتعدى إليكم ظلمة كفرهم (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها تميلون إلى ولايتهم (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) لتحيرهم بضعف استعدادهم (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) ينصرهم من عذاب الله تعالى لانقطاع وصلتهم وارتفاع محبتهم مع أهل الله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) رجعوا إلى الله تعالى ببقية نور الاستعداد وقبول مدد التوفيق (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا من استعدادهم بقمع الهوى وكسر صفات النفس ورفع حجاب القوى (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) بالتمسك بأوامره والتوجه إليه سبحانه (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) بإزالة خفايا الشرك وقطع النظر عن السوي (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الصادقين (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) من مشاهدة تجليات الصفات وجنات الأفعال (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) بالتوبة وإصلاح ما فسد والاعتصام بحبل الأوامر والتوجه إلى الله عزوجل وإخلاص الدين له سبحانه (وَآمَنْتُمْ) الإيمان الحائز لذلك (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) فيثبت ويوصل الثواب كاملا ، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
__________________
(١) «تم والحمد لله الجزء الخامس من تفسير روح المعاني ، ويتلوه الجزء السادس إن شاء الله تعالى» أوله «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول».