قال السمين : وكأنهم ضمنوا يظلم معنى يغصب ، أو ينقص فعدوه لاثنين.
وذكر الراغب أن الظلم عند أهل اللغة وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة أو بعدول عن وقته أو مكانه ، وعليه ففي الكلام إشارة إلى أن نقص الثواب وزيادة العقاب لا يقعان منه تعالى أصلا ، وفي ذلك حث على الإيمان والإنفاق بل إرشاد إلى أن كل ما أمر به مما ينبغي أن يفعل وكل ما نهي عنه مما ينبغي أن يجتنب.
واستدل المعتزلة بالآية على أن الظلم ممكن في حدّ ذاته إلا أنه تعالى لا يفعله لاستحالته في الحكمة لا لاستحالته في القدرة لأنه سبحانه مدح نفسه بتركه ولا مدح بترك القبيح ما لم يكن عن قدرة ، ألا ترى أن العنين لا يمدح بترك الزنا ، واعترض على ذلك بقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٥٥] فإنه ذكر في معرض المدح مع أن النوم غير ممكن عليه سبحانه ، قال في الكشف : وهو غير وارد لأنه مدح بانتفاء النقص عن ذاته المقدسة وهو كما تقول : الباري عزّ وعلا ليس بجسم ولا عرض ، وأمّا ما نحن فيه فمدح بترك الفعل والترك الممدوح إنما يكون إذا كان بالاختيار ، نعم للمانع أن لا يسلم أنه تعالى مدح بالترك بل من حيث الدلالة على النقص لأن وجوب الوجود ينافي جواز الاتصاف بالظلم ، وتحقيقه على مذهبهم أن وضع الشيء في غير موضعه الحقيق به ممكن في نفسه وقدرة الحق جل شأنه تسع جميع الممكنات ، لكن الحكمة ـ وهي الإتيان بالممكن على وجه الإحكام وعلى ما ينبغي ـ مانعة ، وعن هذا قالوا : الحكيم لا يفعل إلا الحسن من بين الممكنات إلا إذا دعته حاجة ؛ والمنزه عن الحاجات جمع يتعالى عن فعل القبيح ، ونحن نقول : إنه عز اسمه لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أيضا بناء على وعده المحتوم ، فإن الحلف فيه ممتنع لكونه نقصا منافيا للألوهية وكمال الغنى ، وبهذا الاعتبار يصح أن يسمى ظلما ، وإن كان لا يتصور حقيقة الظلم منه تعالى لكونه المالك على الإطلاق ، فالزيادة والنقص ممكنان لذاتهما ، والخلف ممتنع لذاته ، ولا يلزم من كون الخلف ممتنعا لذاته بالنسبة إلى الواجب تعالى وتقدس أن يكون متعلقه كذلك ، وهذا على نحو ما تقرر في مسألة التكليف بالممتنع أن أخبار الله تعالى عن عدم إيمان المصر ووجوب الصدق اللازم له لا يخرج الفعل عن كونه مقدور المكلف بل يحقق قدرته عليه فليحفظ فإنه مهم.
(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) الضمير المستتر في الفعل الناقص عائد إلى المثقال ، وإنما أنث حملا على المعنى لأنه بمعنى وإن تكن زنة ذرة حسنة ، وقيل : لأن المضاف قد يكتسب التأنيث من المضاف إليه إذا كان جزأه نحو كما شرقت صدر القناة من الدم. أو صفة له نحو (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) [الأنعام : ١٥٨] في قراءة من قرأ بالتاء الفوقانية ومقدار الشيء صفة له كما أن الإيمان صفة للنفس ، وقيل : أنث الضمير لتأنيث الخبر ، واعترض بأن تأنيث الخبر إنما يكون لمطابقة تأنيث المبتدأ ، فلو كان تأنيث المبتدأ له لزم الدور ، وأجيب بأن ذلك إذا كان مقصودا وصفيته ، والحسنة غلبت عليها الاسمية فألحقت بالجوامد التي لا تراعى فيها المطابقة نحو ـ الكلام هو الجملة ـ وقيل : الضمير عائد إلى المضاف إليه وهو مؤنث بلا خفاء ، وحذفت النون من آخر الفعل من غير قياس تشبيها لها بحروف العلة من حيث الغنة والسكون وكونها من حروف الزوائد ، وكان القياس عود الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين بعد حذف النون إلا أنهم خالفوا القياس في ذلك أيضا حرصا على التخفيف فيما كثر دوره ، وقد أجاز يونس حذف النون من هذا الفعل أيضا في مثل قوله.
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة |
|
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم |
وسيبويه يدعي أن ذلك ضرورة ، وقرأ ابن كثير «حسنة» بالرفع على أن (تَكُ) تامة أي وإن توجد أو تقع (حَسَنَةً يُضاعِفْها) أضعافا كثيرة حتى يوصلها ـ كما مر عن أبي هريرة ـ إلى ألفي ألف حسنة ، وعنى التكثير لا