وفي الإتيان بكلمة ـ لن ـ وتوجيه الخطاب إلى كل واحد يصلح له وتوحيد النصير منكرا والتعبير عن عدمه بعدم الوجدان المؤذن بسبق الطلب مسندا إلى المخاطب العام من الدلالة على حرمانهم الأبدي عن الظفر بما أملوا بالكلية ما لا يخفى ، وإن اعتبرت المبالغة في ـ نصير ـ متوجهة للنفي كما قيل ذلك في قوله سبحانه : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ) [فصلت : ٤٦] قوى أمر هذه الدلالة (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) شروع في تفصيل بعض آخر من قبائحهم ، و (أَمْ) منقطعة فتقدر ببل ، والهمزة أي بل آلهم ، والمراد إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك ، وجحد لما تدعيه اليهود من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان.
وعن الجبائي أن المراد بالملك هاهنا النبوة أي ليس لهم نصيب من النبوة حتى يلزم الناس اتباعهم وإطاعتهم والأول أظهر لقوله تعالى شأنه (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ) أي أحدا أو الفقراء أو محمدا صلىاللهعليهوسلم وأتباعه ـ كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (نَقِيراً) أي شيئا قليلا ، وأصله ما أشرنا إليه آنفا.
وأخرج ابن جرير من طريق أبي العالية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : هذا النقير فوضع طرف الإبهام على باطن السبابة ثم نقرها ، وحاصل المعنى على ما قيل : إنهم لا نصيب لهم من الملك لعدم استحقاقهم له بل لاستحقاقهم حرمانه بسبب أنهم لو أوتوا نصيبا منه لما أعطوا الناس أقل قليل منه ، ومن حق من أوتي الملك الإيتاء وهم ليسوا كذلك ، فالفاء في (فَإِذاً) للسببية والجزائية لشرط محذوف هو أن حصل لهم نصيب لا لو كان لهم نصيب كما قدره الزمخشري لأن الفاء لا تقع في جواب لو سيما مع إذا والمضارع ، ويجوز أن تكون الفاء عاطفة والهمزة لإنكار المجموع من المعطوف والمعطوف عليه بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون هذا الذي وقع وهو أنهم قد أوتوا نصيبا من الملك حيث كانت لهم أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك ويعقبه منهم البخل بأقل قليل ، وفائدة «إذا» زيادة الإنكار والتوبيخ حيث يجعلون ثبوت النصيب الذي هو سبب الإعطاء سببا للمنع ، والفرق بين الوجهين أن الإنكار في الأول متوجه إلى الجملة الأولى وهو بمعنى إنكار الوقوع ، وفي الثاني متوجه لمجموع الأمرين وهو بمعنى إنكار الواقع ، «وإذا» في الوجهين ملغاة ، ويجوز إعمالها لأنه قد شرط في إعمالها الصدارة فإذا نظر إلى كونها في صدر جملتها أعملت ، وإن نظر إلى العطف وكونها تابعة لغيرها أهملت ، ولذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم ـ فإذا لا يؤتوا الناس ـ بالنصب على الإعمال.
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) انتقال عن توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد الذي هو من أقبح الرذائل المهلكة من اتصف بها دنيا وأخرى ، وذكره بعده من باب الترقي ، و (أَمْ) منقطعة والهمزة المقدرة بعدها لإنكار الواقع ، والمراد من الناس سيدهم بل سيد الخليقة على الإطلاق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإلى هذا ذهب عكرمة ومجاهد والضحاك وأبو مالك وعطية ، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : «قال أهل الكتاب : زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وذهب قتادة والحسن وابن جريج إلى أن المراد بهم العرب ، وعن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهم النبي وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام ، وقيل : المراد بهم جميع الناس الذين بعث إليهم النبي صلىاللهعليهوسلم من الأسود والأحمر أي بل أيحسدونهم (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعني النبوة وإباحة تسع نسوة أو بعثة النبيصلىاللهعليهوسلم منهم ونزول القرآن بلسانهم أو جمعهم كمالات تقصر عنها الأماني ، أو تهيئة سبب رشادهم ببعثة النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم ، والحسد على هذا مجاز لأن اليهود لما نازعوه في نبوته صلىاللهعليهوسلم التي هي إرشاد لجميع الناس فكأنما حسدوهم جمع (فَقَدْ آتَيْنا) تعليل