طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ)» الآية.
وفي رواية الطبراني «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال حين أعطى المفتاح : خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» يعني سدانة الكعبة ، وفي تفسير ابن كثير «أن عثمان دفع المفتاح بعد ذلك إلى أخيه شيبة بن أبي طلحة فهو في يد ولده إلى اليوم» ، وذكر الثعلبي والبغوي والواحدي «أن عثمان امتنع عن إعطاء المفتاح للنبي صلىاللهعليهوسلم وقال : لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي كرم الله تعالى وجهه يده وأخذه منه فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الكعبة وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يجمع له السدانة والسقاية فنزلت فأمر عليا كرم الله تعالى وجهه أن يرد ويعتذر إليه وصار ذلك سببا لإسلامه ونزول الوحي بأن السدانة في أولاده أبدا وما ذكرناه أولى بالاعتبار.
أما أولا فلما قال الأشموني : إن المعروف عند أهل السير أن عثمان بن طلحة أسلم قبل ذلك في هدنة الحديبية مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ـ كما ذكره ابن إسحاق وغيره ، وجزم به ابن عبد البر في الاستيعاب والنووي في تهذيبه والذهبي وغيرهم ، وأما ثانيا فلما فيه من المخالفة لما ذكره ابن كثير ، وقد نصوا على أنه هو الصحيح ، وأما ثالثا فلأن المفتاح على هذا لا يعد أمانة لأن عليا كرم الله تعالى وجهه أخذه منه قهرا وما هذا شأنه هو الغصب لا الأمانة ، والقول ـ بأن تسمية ذلك أمانة لأن الله تعالى لم يرد نزعه منه ، أو للإشارة إلى أن الغاصب يجب أن يكون كالمؤتمن في قصد الرد ، أو إلى أن عليا كرم الله تعالى وجهه لما قصد بأخذه الخير وكان أيضا بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم جعل كالمؤتمن في أنه لا ذنب عليه لا يخلو عن بعد ، وأيّا ما كان فالخطاب يعم كل أحد ـ كما أن الأمانات ، وهي جمع أمانة مصدر سمي به المفعول ـ نعم الحقوق المتعلقة بذممهم من حقوق الله تعالى وحقوق العباد سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية ، وعموم الحكم لا ينافي خصوص السبب ، وقد روي ما يدل على العموم عن ابن عباس وأبيّ وابن مسعود .. والبراء بن عازب وأبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، وإليه ذهب الأكثرون ، وعن زيد بن أسلم ـ واختاره الجبائي وغيره أن هذا خطاب لولاة الأمر أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على موجب الدين والشريعة ، وعدوا من ذلك تولية المناصب مستحقيها ، وجعلوا الخطاب الآتي لهم أيضا ، وفي تصدير الكلام ـ بأن ـ الدالة على التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال والدلالة على الاعتناء ما لا مزيد عليه ، ولهذا ورد من حديث ثوبان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا إيمان لمن لا أمانة له».
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أربع إذا كن فيك فلا عليك فيما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة».
وأخرج عن ميمون بن مهران «ثلاث تؤدين إلى البر والفاجر الرحم توصل برة كانت أو فاجرة. والأمانة تؤدي إلى البر والفاجر والعهد يوفى به للبر والفاجر» ، وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» والأخبار في ذلك كثيرة ، وقرئ ـ الأمانة ـ بالإفراد ، والمراد الجنس لا المعهود أي يأمركم بأداء أيّ أمانة كانت.
(وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها إثر الأمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذممهم ، فالواو للعطف ، والظرف متعلق بما بعد أن وهو معطوف على (أَنْ تُؤَدُّوا) والجار متعلق به أو بمقدر وقع حالا من فاعله أي ويأمركم (أَنْ تَحْكُمُوا) بالإنصاف والسوية ، أو متلبسين بذلك إذا قضيتم بين الناس ممن ينفذ عليه أمركم أو يرضى بحكمكم ، وهذا مبني على مذهب من يرى جواز تقدم الظرف