[الشمس : ٨] وأن إثبات ظلم الناس لأنفسهم باعتبار اقتضاء استعدادهم الثابت في العلم الأزلي ما أفيض عليهم مما استحقوا به التعذيب.
وقد ذكروا أن هذا الاستعداد غير مجعول ضرورة أن الجعل مسبوق بتعلق القدرة المسبوق بتعلق الإرادة المسبوق بتعلق العلم والاستعداد ليس كذلك لأنه لم يثبت العلم إلا وهو متعلق به بل بسائر الأشياء أيضا لأن التعلق بالمعلوم من ضروريات العلم والتعلق بما لا ثبوت له أصلا مما لا يعقل ضرورة أنه نسبة وهي لا تتحقق بدون ثبوت الطرفين ، ولا يرد على هذا أنه يلزم منه استغناء الموجودات عن المؤثر لأنا نقول : إن كان المراد استغناءها عن ذلك نظرا إلى الوجود العلمي القديم فالأمر كذلك ولا محذور فيه وإن كان المراد استغناءها عن ذلك نظرا إلى وجودها الخارجي الحادث فلا نسلم اللزوم وتحقيق ذلك بما له وما عليه في محله ، وفي الآية على هذا تنبيه على أن كون أولئك المكذبين كما وصفوا إنما نشأ عن اقتضاء استعدادهم له ولذلك ذموا به لا عن محض تقديره عليهم من غير أن يكون منهم طلب له باستعدادهم ولعل تسمية التصرف على خلاف ما يقتضيه الاستعداد لو كان ظلما من باب المجاز وتنزيل المقتضى منزلة الملك وإلا فحقيقة الظلم مما لا يصح إطلاقه على تصرف من تصرفاته تعالى كيف كان إذ لا ملك حقيقة لأحد سواه في شيء من الأشياء ، ووضع الظاهر في الجملة الاستدراكية موضع الضمير لزيادة التعيين والتقرير. وقرأ حمزة والكسائي بتخفيف «لكن» ورفع «الناس» (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) بالياء وهي قراءة حمزة على عاصم. وقرأ الباقون بالنون على الالتفات و (يَوْمَ) عند الأكثرين منصوب بمضمر أي اذكر لهم أو أنذرهم يوم نجمعهم لموقف الحساب (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) أي كأنهم أناس لم يلبسوا (إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) أي شيئا قليلا منه فإنها مثل في غاية القلة وتخصيصها بالنهار لأن ساعات أعرف حالا من ساعاته الليل والجملة في موقع الحال من مفعول (يَحْشُرُهُمْ) أي نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث في الدنيا أو في البرزخ إلا ذلك القدر اليسير ، وليس المراد من التشبيه ظاهره على ما قيل ، وقد صرح في شرح المفتاح أن التشبيه كثيرا ما يذكر ويراد به معان أخر تترتب عليه ، فالمراد إما التأسف على عدم انتفاعهم بأعمارهم أو تمني أن يطول مكثهم قبل ذلك حتى لا يشاهدوا ما شاهدوه من الأهوال فمآل الجملة في الآخرة نحشرهم متأسفين أو متمنين طول مكثهم قبل ذلك ، ويجوز أن يراد نحشرهم مشبهين في أحوالهم الظاهرة للناس بمن لم يلبث في الدنيا ولم يتقلب في نعيمها إلا يسيرا فإن من أقام بها دهرا وتمتع بمتاعها لا يخلو عن بعض آثار نعمة وأحكام بهجة منافية لما بهم من رثاثة الهيئة وسوء الحال وإليه ذهب بعضهم ، والظاهر أنه تكلف لإبقاء التشبيه على ظاهره والأول أولى كما لا يخفى ، وأيا ما كان ففائدة التشبيه كنار على علم ، والعجب ممن لم يرها فقال الظاهر إن (كَأَنْ) للظن ، وادعى البعض أن فائدة التقييد على تقدير أن يراد اللبث في البرزخ بيان كمال يسر الحشر بالنسبة إلى قدرته تعالى ولو بعد دهر طويل وإظهار بطلان استبعادهم وإنكارهم بقولهم : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [المؤمنون : ٨٢ ، الصافات : ١٦ ، الواقعة : ٤٧] ونحو ذلك أو بيان تمام الوافقة بين النشأتين في الإشكال والصور فإن قلة اللبث في البرزخ من موجبات عدم التبدل والتغير ، ولعل مآل الحال على هذا ويوم نحشرهم على صورهم وأشكالهم غير متغيرين ، وجوز أبو علي كون الجملة في موضع الصفة ـ ليوم ـ والعائد محذوف تقديره كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف والعائد كذلك أي حشرا كأن لم يلبثوا قبله ، ورد بأن مثل هذا الرابط لا يجوز حذفه والأول بأن المراد بالظرف المضاف وهو الموصوف يوم القيامة وهو يوم معين وتقدير الكلام يوم حشره أو يوم حشرنا فيكون الموصوف معرفة والجمل نكرات ولا تنعت المعرفة بالنكرة. وأجيب بأن المنع من جواز حذف مثل ذلك الرابط في حيز المنع وبأن الجمل التي تضاف إليها أسماء الزمان قد يقدر حلها إلى معرفة فيكون ما أضيف إليها معرفة