يعصم اليوم ؛ والجار والمجرور متعلق بذلك الفعل ومنع جواز أن يكون (الْيَوْمَ) منصوبا باسم ـ لا ـ وأن يكون الجار متعلقا به لأنه يلزم حينئذ أن يكون معربا منونا للطول.
وجوز الحوفي أن يكون (الْيَوْمَ) متعلقا بمحذوف وقع خبرا ـ للا ـ والجار متعلق بذلك المحذوف أيضا ، وأن يكون متعلقا بمحذوف هو الخبر ، و (الْيَوْمَ) في موضع النعت لعاصم ، ورد أبو البقاء خبرية اليوم بأنه ظرف زمان وهو لا يكون خبرا عن الجثة ، والتزم كونه معمول من أمر الله وكون الخبر هو الجار والمجرور ، ورد أبو حيان جواز النعتية بأن ظرف الزمان لا يكون نعتا للجثث كما لا يكون خبرا عنها (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أي بين نوح عليهالسلام وابنه فانقطع ما بينهما من المجاوبة ، قيل : كانا يتراجعان الكلام فما استتمت المراجعة حتى جاءت موجة عظيمة وكان راكبا على فرس قد بطر وأعجب بنفسه فالتقمته وفرسه ، وليس في الآية هنا إلا إثبات الحيلولة ، وأما علمه عليهالسلام بغرقه فلم يحصل إلا بعد ، وقال الفراء : بينهما أي بين ابن نوح عليهالسلام والجبل ، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي بزة ، وتعقبه العلامة أبو السعود بأن قوله تعالى : (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) إنما يتفرع على حيلولة الموج بينه عليهالسلام وبين ابنه لا بينه وبين الجبل لأنه بمعزل عن كونه عاصما وإن لم يحل بينه وبين الملتجأ إليه موج ، وأجيب بأن التفريع لا ينافي ذلك لأن المراد فكان من غير مهلة أو هو بناء على ظنه أن الماء لا يصل إليه ، وفي الآية دلالة على غرق سائر الكفرة على أبلغ وجه. فكأن ذلك أمر مقرر الوقوع غير مفتقر إلى البيان ، وفي إيراد ـ كان ـ دون صار مبالغة في كونه منهم (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي) أي انشفي استعير من ازدراد الحيوان ما يأكله للدلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتاد التدريجي ، وتخصيص البلع بما يؤكل هو المشهور عن اللغويين ، وقال الليث : يقال : بلع الماء إذا شربه وهو ظاهر في أنه غير خاص بالمأكول ، وذكر السيد أن ذلك مجاز ، وأخرج ابن المنذر وغيره عن وهب بن منبه أن البلع بمعنى الازدراد لغة حبشية ، وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه بمعنى الشرب لغة هندية (ماءَكِ) أي ما على وجهك من ماء الطوفان وعبر عنه بالماء بعد ما عبر عنه فيما سلف بأمر الله تعالى لأن المقام مقام النقص والتقليل لا مقام التفخيم والتهويل (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أي أمسكي عن إرسال المطر يقال : أقلعت السماء إذا انقطع مطرها ؛ وأقلعت الحمى إذا كفت ، والظاهر أن المطر لم ينقطع حتى قيل للسماء ما قيل ، وهل فوران الماء كان مستمرا حتى قيل للأرض ما قيل أم لا؟ لم أر فيه شيئا ، والآية ليست نصا في أحد الأمرين (وَغِيضَ الْماءُ) أي نقص يقال : غاضه إذا نقصه وجميع معانيه راجعة إليه.
وقول الجوهري : غاض الماء إذا قل ونضب ، وغيض الماء فعل به ذلك لا يخالفه فإن القلة عين النقصان ، وتفسير ذلك بالنقص مروي عن مجاهد (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي أنجز ما وعد الله تعالى نوحا عليهالسلام من إهلاك كفار قومه وإنجائه بأهله المؤمنين ، وجوز أن يكون المعنى أتم الأمر (وَاسْتَوَتْ) استقرت يقال : استوى على السرير إذا استقر عليه (عَلَى الْجُودِيِ) بتشديد الياء ، وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة بتخفيفها وهما لغتان ـ كما قال ابن عطية ـ وهو جبل بالموصل ، أو بالشام ، أو بآمل ـ بالمد وضم الميم والمشهور الأول.
وجاء في بعض الآثار أن الجبال تشامخت إذ ذاك وتواضع هو لله تعالى شأنه فأكرمه سبحانه باستواء السفينة عليه ، من تواضع الله سبحانه رفعه ، وكان استواؤها عليه يوم عاشوراء فقد أخرج أحمد وغيره عن أبي هريرة قال : «مر النبي صلىاللهعليهوسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال : ما هذا الصوم؟ فقيل : هذا اليوم الذي أنجى الله تعالى فيه موسى عليهالسلام وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون ، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى عليهماالسلام شكرا لله تعالى ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أنا أحق بموسى عليهالسلام وأحق بصوم هذا اليوم فصامه وأمر أصحابه بالصوم» وأخرج الأصبهاني في الترغيب عنه رضي الله تعالى عنه أنه اليوم الذي ولد فيه عيسى عليه