والسعادة وأن ذلك أمر قد فرغ منه كما يدل عليه ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي يده كتابان فقال : «أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا : لا يا رسول الله أما تخبرنا؟ فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وآبائهم وقبائلهم ثم أجملهم على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ، ثم قال للذي في شماله : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وآبائهم وقبائلهم ثم أجملهم على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ، فقال أصحابه : ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال : سدّدوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ، ثم قالصلىاللهعليهوسلم بيده فنبذهما وقال : فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير» وجاء في حديث «الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه» وحمل ذلك بعضهم على ظهور الأمر للملك الموكل بالنطفة وإلا فالأمر قبل ذلك ، وبعضهم فسر الأم بالثبوت العلمي الذي يظهر المعلوم منه إلى هذا الوجود الخارجي وهو ضرب من التأويل كما لا يخفى ، ولا يأبى هذه الإشارة عند التأمل ما أخرجه الترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن مردويه وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : «لما نزلت (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) قلت : يا رسول الله فعلام نعمل على شيء قد فرغ منه ، أو على شيء لم يفرغ منه؟ قال : بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له» ، وقيل : كان الظاهر هنا التعبير بالمضارع إلا أنه عبر بالماضي إشارة إلى تحقق الوقوع وأتى بالموصول جمعا إيذانا بأن المراد ـ بشقي وسعيد ـ فريق شقي ، وفريق سعيد ، ولم يقل أشقياء وسعداء لأن الإفراد أوفق بما قبل ، وقيل : الإفراد أولا للإشارة إلى أن كل فريق من حيث اتصافه بالشقاوة أو السعادة كشيء واحد ، وجمع ثانيا لما أن دخول كل فريق في الجنة والنار ليس جملة واحدة بل جمعا جمعا وزمرة زمرة وله شواهد من الكتاب والسنة (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أي في شك ، والفاء لترتيب النهي على ما قص من القصص وبين في تضاعيفها من العواقب الدنيوية والأخروية أي فلا تك في شك بعد أن بين لك ما بين (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) أي من عبادة هؤلاء المشركين في أنها ضلال مؤد إلى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصت عليك سوء عاقبة عبادتهم ـ فمن ـ ابتدائية ، وجوز أن تكون بمعنى في ، و «ما» مصدرية ، وجوز أن تكون موصولة وفي الكلام مضاف محذوف أي من حال ما يعبدونه من أنه لا يضر ولا ينفع إذ لا معنى للمرية في أنفسهم (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) استئناف بياني وقع تعليلا في المعنى للنهي عن المرية ، والاستثناء إما من مصدر مقدر أو مفعول محذوف أي هم وآباؤهم سواء في الشرك ما يعبدون عبادة إلا كعبادة آبائهم. أو ما يعبدون شيئا إلا مثل الذي عبدوه من الأوثان وقد بلغك ما لحق آباؤهم بسبب ذلك فيلحقهم مثله لأن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات ، ومعنى (كَما يَعْبُدُ) كما كان عبد فحذف لدلالة (قَبْلُ) عليه ، وكأن اختيار هذا للإشارة إلى أن ذلك كان عادة مستمرة لهم (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ) يعني هؤلاء الكفرة (نَصِيبَهُمْ) حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم حظوظهم. أو من الرزق فيكون عذرا لتأخر العذاب عنهم مع قيام ما يوجبه ، وفي هذا من الإشارة إلى مزيد فضل الله تعالى وكرمه ما لا يخفى حيث لم يقطع رزقهم مع ما هم عليه من عبادة غيره ، وفي التعبير ـ بالنصيب ـ على الأول تهكم لأنه ما يطلب ويراد والعذاب بمعزل عن ذلك ، وتفسيره بما ذكر مروي عن ابن زيد ، و ـ بالرزق ـ عن أبي العالية ، وعن ابن عباس أن المراد به ما قدر من خير أو شر ، وقرأ ابن محيصن «لموفوهم» مخففا من أوفى (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حال مؤكدة من النصيب كقوله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥] وفائدته دفع توهم التجوز ، وإلى هذا ذهب العلامة الطيبي ، وقال : إنه الحق.