وفي الكشاف أنه جيء بهذه الحال عن النصيب الموفى لأنه يجوز أن يوفى وهو ناقص ويوفى وهو كامل ألا تراك تقول : وفيته شطر حقه وثلث حقه وحقه كاملا وناقصا انتهى ، وتعقبه أبو حيان بأن هذه مغلطة لأنه إذا قيل : وفيته شطر حقه فالتوفية إنما وقعت في الشطر وكذا ثلث حقه ، والمعنى أعطيته الشطر أو الثلث كاملا لم أنقصه منه شيئا ، وأما قولك : وفيته حقه كاملا فالحال فيه مؤكدة لأن التوفية تقتضي الإكمال ، وأما قولك : وفيته حقه ناقصا فغير صحيح للمنافاة انتهى.
وقال ابن المنير : إنه وهم لأن التوفية تقتضي عدم نقصان الموفى كاملا كان أو بعضا فقولك : وفيته نصف حقه يستلزم عدم نقصان النصف الموفى ، فالسؤال عن وجه انتصاب هذه الحال قائم بعد ، والأوجه أن يقال : استعملت التوفية بمعنى الإعطاء كما استعمل التوفي بمعنى الأخذ ، ومن قال : أعطيت فلانا حقه كان جديرا أن يؤكده بقوله : (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) انتهى. وفي الكشف أقول في تعليق التوفية بالنصف مع أن الكل حقه ما يدل على مطلوبه إذ لا فرق بين قولك : نصف حقه وحقه منصفا ، فجاز وفيته نصيبه منصفا ونصيبه ناقصا ، ويحسن فائدة التأكيد ويظهر أن الواهم من هو فتأمل (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أي في شأن الكتاب وكونه من عند الله تعالى فآمن به قوم وكفر به آخرون فلا تبال باختلاف قومك فيما آتيناك من القرآن ، وقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) [هود : ١٢] وزعمهم «إنك افتريته».
وجوز رجوع الضمير إلى موسى وهو خلاف الظاهر ، وإن كان الاختلاف فيه عليهالسلام هل هو نبي أم لا؟
مستلزما للاختلاف في كتابه هل هو من الله تعالى أم لا ، وقيل : إن ـ في ـ على هذا الاحتمال بمعنى على أي فاختلف قومه عليه وتعنتوا كما فعل قومك معك (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهي كلمة القضاء بتأخير العذاب إلى الأجل المعلوم على حسب الحكمة الداعية إلى ذلك (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي لأوقع القضاء بين المختلفين من قومك بإنزال العذاب الذي يستحقه المبطلون ليتميزوا به عن المحقين ، وفي البحر إن الظاهر عود الضمير على قوم موسى ، قيل : وليس بذاك.
وقال ابن عطية : عوده على القومين أحسن عندي ، وتعقب بأن قوله سبحانه : (وَإِنَّ كُلًّا) إلخ ظاهر في التعميم بعد التخصيص وفيه نظر ، والأولى عندي الأول (وَإِنَّهُمْ) أي وإن كفار قومك أريد بالضمير بعض من رجع إليهم ضمير بينهم للأمن من الإلباس (لَفِي شَكٍ) عظيم (مِنْهُ) أي من القرآن وإن لم يجر له ذكر فإن ذكر إيتاء كتاب موسى ووقوع الاختلاف فيه لا سيما بصدد التسلية يناديه نداء غير خفي.
وقيل : الضمير للوعيد المفهوم من الكلام (مُرِيبٍ) أي موقع في الريبة ، وجوز أن يكون من أراب إذا صار ذا ريبة (وَإِنَّ كُلًّا) التنوين عوض عن المضاف إليه كما هو المعروف في تنوين كل عند قوم من النحاة ، وقيل : إنه تنوين تمكين لكنه لا يمنع تقدير المضاف إليه أيضا أي وإن كل المختلفين المؤمنين والكافرين.
وقال مقاتل : يعني به كفار هذه الأمة (لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) أي أجزية أعمالهم ، ولام (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) واقعة في جواب القسم أي والله ليوفينهم ، و (لَمَّا) بالتشديد وهو مع تشديد أن قراءة ابن عامر وحمزة وحفص وأبي جعفر ، وتخريج الآية على هذه القراءة مشكل حتى قال المبرد : إنها لحن وهو من الجسارة بمكان لتواتر القراءة وليته قال كما قال الكسائي : ما أدري ما وجه هذه القراءة ، واختلفوا في تخريجها فقال أبو عبيدة : إن أصل (لَمَّا) هذه لما منونا ، وقد قرئ كذلك ثم بني على فعلى وهو مأخوذ من لمته إذا جمعته ، ولا يقال : إنها «لما» المنونة وقف عليها بالألف ، وأجرى الوصل مجرى الموقف لأن ذلك على ما قال أبو حيان : إنما يكون في الشعر واستبعد هذا التخريج بأنه