وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ، ثم قرأ (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) وقرأ «إن مقيلهم لإلى الجحيم» وأخذ منه بعضهم أن المراد بالمستقر موضع الحساب ، وبالمقيل محل الاستراحة بعد الفراغ منه ، ومعنى يقيل هؤلاء يعني أصحاب الجنة ينقلون إليها وقت القيلولة ، وقيل : المستقر والمقيل في المحشر قبل دخول الجنة ، أو المستقر فيها والمقيل فيه.
فقد أخرج ابن جرير عن سعيد الصواف قال : بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وإنهم ليقيلون في رياض حتى يفرغ الناس من الحساب ، وذلك قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) وفي وصفه بزيادة الحسن مع حصول الخيرية بعطفه على المستقر رمز إلى أن لهم ما يتزين به من حسن الصور وغيره من التحاسين. فإن حسن المنزل إن لم يكن باعتبار ما يرجع لصاحبه لم تتم المسرة به ، والتفضيل المعتبر فيهما المسرة إما لإرادة الزيادة على الإطلاق ، أي هم في أقصى ما يكون من خيرية المستقر وحسن المقيل ، وإما بالإضافة إلى ما للكفرة المتنعمين في الدنيا أو إلى ما لهم في الآخرة بطريق التهكم بهم ، هذا وتفسير المستقر والمقيل بالمكانين حسبما سمعت هو المشهور وهو أحد احتمالات تسعة. وذلك أنهم جوزوا أن يكون كلاهما اسم مكان أو اسم زمان أو مصدرا وأن يكون الأول اسم مكان والثاني اسم زمان أو مصدرا وأن يكون الأول اسم زمان والثاني اسم مكان أو مصدرا وأن يكون الأول مصدرا والثاني اسم مكان أو اسم زمان ، وما شئت تخيل في خيرية زمان أصحاب الجنة وأحسنيته وكذا في خيرية استقرارهم وأحسنية استراحتهم يومئذ (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) العامل في (يَوْمَ) إما اذكر أو ينفرد الله تعالى بالملك الدال عليه قوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) وقيل : العامل ذاك بمعناه المذكور. وقيل : إنه معطوف على (يَوْمَئِذٍ) أو (يَوْمَ يَرَوْنَ) و (تَشَقَّقُ) تتفتح والتعبير به دونه للتهويل ، وأصله تتشقق فحذفت إحدى التاءين كما في (تَلَظَّى) [الليل : ١٤] وقرأ الحرميان وابن عامر بإدغام التاء في الشين لما بينهما من المقاربة ؛ والظاهر أن المراد بالسماء المظلة لنا وبالغمام السحاب المعروف والباء الداخلة عليه باء السبب. أي تشقق السماء بسبب طلوع الغمام منها. ولا مانع من أن تشقق به كما يشق السنام بالشفرة والله تعالى على كل شيء قدير ، وحديث امتناع الخرق على السماء حديث خرافة.
وقيل : باء الحال وهي باء الملابسة. واستظهره بعضهم أي تشقق متغيمة ، وقيل : بمعنى عن وإليه ذهب الفراء. والفرق بين قولك انشقت الأرض بالنبات وانشقت عنه أن معنى الأول أن الله تعالى شقها بطلوعه فانشقت به. ومعنى الثاني أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه ، وقيل : المراد بالغمام غمام أبيض رفيق مثل الضبابة ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم ، وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه الغمام الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة المذكور في قوله سبحانه : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) قال ابن جريج : وهو غمام زعموا أنه في الجنة ، وعن مقاتل أن المراد بالسماء ما يعم السماوات كلها وتشقق سماء سماء ، وروي ذلك عن ابن عباس ، فقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الأهوال وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه قرأ هذه الآية إلى قوله تعالى : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) أي تنزيلا عجيبا غير معهود فقال : يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بجميعهم فتقول أهل الأرض : أفيكم ربنا؟ فيقولون : لا ، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن