بمعنى مألوهة أي معبودة والهاء للمبالغة فلذلك صرفت ، وقيل : بل الإلاهة الشمس ويقال ألاهة بضم الهمزة وهي غير مصروفة للعلمية والتأنيث لكنها لما كانت مما يدخلها لام التعريف في بعض اللغات صارت بمنزلة ما كان فيه اللام ثم نزعت فلذلك صرفت وصارت كالمنكر بعد التعريف قاله صاحب اللوامح وهو كما ترى. والآية نزلت على ما قيل في الحارث بن قيس السهمي كان كلما هوى حجرا عبده ، وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : كان الرجل يعبد الحجر الأبيض زمانا من الدهر في الجاهلية فإذا وجد أحسن منه رمى به وعبد الآخر فأنزل الله تعالى (أَرَأَيْتَ) إلخ. وزعم بعضهم لهذا ونحوه أن هواه بمعنى مهويه وليس بلازم كما لا يخفى.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية كلما هوى شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى فالآية شاملة لمن عبد غير الله تعالى حسب هواه ولمن أطاع الهوى في سائر المعاصي وهو الذي يقتضيه كلام الحسن ، فقد أخرج عنه عبد بن حميد أنه قيل له : أفي أهل القبلة شرك؟ فقال : نعم المنافق مشرك إن المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله تعالى وإن المنافق عبد هواه ثم تلا هذه الآية ، والمنافق عند الحسن مرتكب المعاصي كما ذكره غير واحد من الأجلة.
وقد أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : «قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله تعالى أعظم عند الله عزوجل من هوى يتبع» ولا يكاد يسلم على هذا من عموم الآية إلا من اتبع ما اختاره الله تعالى لعباده وشرعه سبحانه لهم في كل ما يأتي ويذر ، وعليه يدخل الكافر فيما ذكر دخولا أوليا (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) استئناف مسوق لاستبعاد كونهصلىاللهعليهوسلم حفيظا على هذا المتخذ يزجره عما هو عليه من الضلال ويرشده إلى الحق طوعا أو كرها وإنكار له ، والفاء لترتيب الإنكار على ما قبله من الحالة الموجبة له كأنه قيل : أبعد ما شاهدت غلوه في طاعة الهوى تعسره على الانقياد إلى الهدى شاء أو أبى ، وجوز أن تكون رأى علمية وهذه الجملة في موضع المفعول الثاني وليس بذاك.
وقوله تعالى : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) إضراب وانتقال عن الإنكار المذكور إلى إنكار حسبانه صلّى الله تعالى عليه وسلّم إياهم ممن يسمع أو يعقل حسبما ينبئ عنه جده عليه الصلاة والسلام في الدعوة واهتمامه بالإرشاد والتذكير على معنى أنه لا ينبغي أن يقع أي بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون حق السماع ما تتلو عليهم من الآيات القرآنية أو يعقلون ما أظهر لهم من الآيات الآفاقية والأنفسية فتعتني في شأنهم وتطمع في إيمانهم ، ولما كان الدليل السمعي أهم نظرا للمقام من الدليل العقلي قيل : يسمعون أو يعقلون ، وقيل: المعنى بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون حق السماع ما تتلو عليهم من الآيات أو يعقلون ما في تضاعيفها من المواعظ الزاجرة عن القبائح الداعية إلى المحاسن فتجتهد في دعوتهم وتهتم بإرشادهم وتذكيرهم ولعل ما قلناه أولى فتدبر.
وأيا ما كان فضمير (أَكْثَرَهُمْ) لمن باعتبار معناه وضمير (عَلَيْهِ) له أيضا باعتبار لفظه واختير الجمع هنا لمناسبة إضافة الأكثر لهم وأفرد فيما قبله لجعلهم في اتفاقهم على الهوى كشيء واحد ، وقيل : ضمير (أَكْثَرَهُمْ) للكفار لا لمن لأن قوله تعالى عليه يأباه وليس بشيء ، وضمير الفعلين للأكثر لا لما أضيف إليه ، وتخصيص الأكثر لأن منهم من سبقت له العناية الأزلية بالإيمان بعد الاتخاذ المذكور ، ومنهم من سمع أو عقل لكنه كابر استكبارا وخوفا على الرئاسة ، وقوله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) إلخ جملة مستأنفة لتكرير النكير وتأكيده وحسم مادة الحسبان بالمرة والضمير للأكثر أو لمن ، واكتفى عن ذكر الأكثر بما قبله أي ما هم في عدم الانتفاع بما يقرع آذانهم من قوارع الآيات