__________________
ـ على هامش الأصل بخط أحد تلاميذه وقد كتبه عوضا عن بحث نفيس لصاحب التفسير في «القانون والشرع» لم تسمح السلطة الغاشمة بنشره وإليك نص ذلك نقلا عن خطه ، قال : وليتني رأيت هذه الرسالة ووقفت على ما فيها فإن إطلاق القول بالكفر مشكل عندي.
نعم لا شك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع ويقول : هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة ، ويتميز غيظا ويتقصف غضبا إذا قيل له في أمر : أمر الشرع فيه كذا كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ، وهذا القانون الذي ذكروه قد نقصت منه اليوم أمور وزيدت فيه أمور وسمي بالأصول ، وألفت فيها رسائل وطبعت ونشرت وفرقت وألزم العمل بما حوتها كل أمير ومأمور وعقدت مجالس الشورى عليها ، ورجع في أحكام الأحكام إليها ومن خالفها نكل تنكيلا ، وربما حبس حبسا طويلا ، وكم قد قال لي بعض الولاة : إياك أن تقول في مجلسنا : المسألة شرعا كذا ، وقد أصابني منه عامله الله بعدله لعدولي عن قوله مزيد الأذى ، واتفق أن قال لي بعض خاصته يوما : أرى ثلثي الشرع شرا ، فقلت له ـ وإن كنت عالما أن في أذنيه وقرا. : نعم ظهر الشر لما أذهبتم من الشرع العين ، ولم تأخذوا من اسمه سوى حرفين ؛ فتأمل العبارة وتغير وجهه لما فهم الاشارة ، والذي ينبغي أن يقال في ذلك : إن ما يرجع من تلك الأصول إلى ما يتعلق بسوق الجيوش وتعبئتهم وتعليمهم ما يلزم في الحرب مما يغلب على الظن الغلبة به على الكفرة وما يتعلق بأحكام المدن والقلاع ونحو ذلك لا بأس في أكثره على ما نعلم ، وكذا ما يتعلق بجزاء ذوي الجنايات التي لم يرد فيها عن الشارع حد مخصوص بل فرض التأديب عليها إلى رأي الإمام كأنواع التعازير ، وللإمام أن يستوفي ذلك وإن عفا المجني عليه لأن الساقط به حق الآدمي والذي يستوفيه الإمام حق الله تعالى للمصلحة كما نص على ذلك العلامة ابن حجر في شرح المنهاج ، والقواعد لا تأباه ، نعم ينبغي أن يجتنب في ذلك الإفراط والتفريط ، وقد شاهدنا في العراق مما يسمونه «جزاء» ما القتل أهون منه بكثير. ومثل ذلك ظلم عظيم وتعد كبير.
وأما ما يتعلق بالحدود الإلهية كقطع السارق. ورجم الزاني المحصن. وما فصل في حق قطاع الطريق من قطع الأيدي والأرجل من خلاف وغيره مما فصل في آيتهم ـ إلى غير ذلك ـ فظاهر أمره دخوله في حكم الآية هنا على ما ذكره البيضاوي.
وأما ما يتعلق بالمعاملات والعقود فإن كان موافقا لما ورد عن الشارع فيها من الصحة وعدمها سميناه «شرعا» ولا نسميه «قانونا» و «أصولا» وإن لم يكن موافقا لذلك كالحكم في إعطاء الربا مثلا المسمى عندهم ـ بالكرشته ـ لزعم أنه تتعطل مصالح الناس لو لم يحكم بذلك فهو حكم بغير ما أنزل الله عزوجل.
وأما ما يتعلق بحق بيت المال في الأراضي فما كان موافقا لعمل النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وخلفائه الراشدين فذاك وما كان مخالفا لعمل الخلفاء الصادر منهم باجتهاد فإن كانت مخالفته إلى ما هو أسهل وأنفع للناس فنظرا إلى زمانهم فهو مما لا بأس فيه ، وإن كانت مخالفته إلى ما هو أشق ففيه بأس ، ولا يجري هذا التفصيل فيما وصفه رسول الله عليه الصلاة والسلام كالعشر في بعض الأراضي التي فتحت في زمنه الشريف صلّى الله تعالى عليه وسلم فإنه لا تجوز المخالفة فيه أصلا على ما ذكره أبو يوسف في كتاب الخراج وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة بحسب الظاهر بأن لم يكن منصوصا عليه كان يندرج في العمومات المنصوص عليها في أمر الاراضي فذاك وإلا فقبوله ورده باعتبار المدخول في العمومات الواردة في الحظر والإباحة فإن دخل في عمومات الإباحة قبل وإن في عمومات الحظر رد ، وأمر تكفير العامل بالأصول المذكورة خطر فلا ينبغي إطلاق القول فيه ، نعم لا ينبغي التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بين المخالفة للشرع منها ويقدمه على الأحكام الشرعية متنقصا لها به ، ولقد سمعت بعض خاصة أتباع بعض الولاة يقول : وإن تلك الأحكام أصول وقوانين سياسية كانت حسنة في الأزمنة المتقدمة لما كان أكثر الناس بلها ، وأما اليوم فلا يستقيم أمر السياسة بها والأصول الجديدة أحسن وأوفق للعقل منها ، ويقول كلما ذكرها : الأصول المستحسنة. وكان يرشح كلامه بنفي رسالة النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وكذا رسالة الأنبياء عليهمالسلام قبله ، ويزعم أنهم كانوا حكماء في أوقاتهم توصلوا إلى أغراضهم بوضع ما ادعوا فيه أنه وحي من الله تعالى ، فهذا وأمثاله مما لا شك في كفره وفي كفر من يدعي للمرافعة عند القاضي فيأبى إلا المرافعة بمقتضى تلك الأصول عند أهل تلك الأصول راضيا بما يقضون به عليه تردد وإنما لم يجزم بكفره مع قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا