كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) (١٤)
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) أي الناس أشد ظلما ممن يدعى إلى الإسلام الذي يوصله إلى سعادة الدارين فيضع موضع الاجابة الافتراء على الله عزوجل بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا فإن الافتراء على الله تعالى يعم نفي الثابت وإثبات المنفي أي لا أظلم من ذلك ، والمراد أنه أظلم من كل ظالم ، وقرأ طلحة «يدّعي» مضارع ـ ادعى ـ مبنيا للفاعل وهو ضميره تعالى : و (يُدْعى) بمعنى يدعو يقال : دعاه وادعاه نحو لمسه والتمسه ، وقيل : الفاعل ضمير المفتري ، وادعى يتعدى بنفسه إلى المفعول به لكنه لما ضمن معنى الانتماء والانتساب عدي بإلى أي وهو ينتسب إلى الإسلام مدعيا أنه مسلم وليس بذاك ، وعنه «يدّعى» مضارع ادعى أيضا لكنه مبني للمفعول ، ومعناه كما سبق ، والآية فيمن كذب من هذه الأمة على ما يقتضيه ما بعد ، وهي إن كانت في بني إسرائيل الذين جاءهم عيسى عليهالسلام ففيها تأييد لمن ذهب إلى عدم اختصاص الإسلام بالدين الحق الذي جاء به نبينا صلّى الله تعالى عليه وسلم.
(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم لسوء استعدادهم وعدم توجههم إليه (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) تمثيل لحالهم في اجتهادهم في إبطال الحق بحالة من ينفخ الشمس بفيه ليطفئها تهكما وسخرية بهم كما تقول الناس : هو يطفئ عين الشمس ، وذهب بعض الأجلة إلى أن المراد بنور الله دينه تعالى الحق كما روي عن السدي على سبيل الاستعارة التصريحية ، وكذا في قوله سبحانه : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) و (مُتِمُ) تجريد ، وفي قوله تعالى : (بِأَفْواهِهِمْ) تورية ، وعن ابن عباس وابن زيد يريدون إبطال القرآن وتكذيبه بالقول ، وقال ابن بحر : يريدون إبطال حجج الله تعالى بتكذيبهم ، وقال الضحاك : يريدون هلاك الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم بالأراجيف ، وقيل : يريدون إبطال شأن النبي صلىاللهعليهوسلم وإخفاء ظهوره بكلامهم وأكاذيبهم ، فقد روي عن ابن عباس أن الوحي أبطأ أربعين يوما فقال كعب بن الأشرف : يا معشر يهود أبشروا أطفأ الله تعالى نور محمد فيما كان ينزل عليه ، وما كان ليتم نوره فحزن الرسول صلىاللهعليهوسلم فنزلت (يُرِيدُونَ) إلى آخره ، وفي (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا) مذاهب : أحدها أن اللام زائدة والفعل منصوب بأن مقدرة بعدها ، وزيدت لتأكيد معنى الإرادة لما في لام العلة من الإشعار بالإرادة والقصد كما زيدت اللام في : لا أبا لك لتأكيد معنى الإضافة ؛ ثانيها أنها غير زائدة للتعليل ، ومفعول (يُرِيدُونَ) محذوف أي يريدون الافتراء لأن يطفئوا ؛ ثالثها أن الفعل أعني (يُرِيدُونَ) حال محل المصدر مبتدأ واللام للتعليل والمجرور بها خبر أي إرادتهم كائنة للإطفاء والكلام نظير ـ تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ـ من وجه ، ورابعها أن اللام مصدرية بمعنى أن غير تقدير والمصدر مفعول به ويكثر ذلك بعد فعل الإرادة والأمر ، خامسها أن (يُرِيدُونَ) منزل منزلة اللازم