الأولين ولم يذكر الحارث ، وكذا لم يذكره ابن سيد الناس ، وذكر أنه أعطى سعد بن معاذ سيفا لابن أبي الحقيق كان له ذكر عندهم ، ومعنى ما (أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) ما أجريتم على تحصيله من الوجيف وهو سرعة السير ، وأنشد عليه أبو حيان قول نصيب :
ألا ربّ ركب قد قطعت وجيفهم |
|
إليك ولو لا أنت لم توجف الركب |
وقال ابن هشام : «أوجفتم» حركتم وأتعبتم في السير ، وأنشد قول تميم بن مقبل :
مذاويد بالبيض الحديث صقالها |
|
عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا |
والمآل واحد ، و (مِنْ) في قوله تعالى : (مِنْ خَيْلٍ) زائدة في المفعول للتنصيص على الاستغراق كأنه قيل ـ فما أوجفتم عليه ـ فردا من أفراد الخيل أصلا (وَلا رِكابٍ) ولا ما يركب من الإبل غلب فيه كما غلب الراكب على راكبه فلا يقال في الأكثر الفصيح : راكب لمن كان على فرس أو حمار ونحوه بل يقال : فارس ونحوه ، وإن كان ذلك عاما لغيره وضعا ، وإنما لم يعملوا الخيل ولا الركاب بل مشوا إلى حصون بني النضير رجالا إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه كان على الحمار. أو على جمل ـ كما تقدم ـ لأنها قريبة على نحو ميلين من المدينة فهي قريبة جدا منها ، وكان المراد أن ما حصل لم يحصل بمشقة عليكم وقتال يعتدّ به منكم ، ولهذا لم يعط صلّى الله تعالى عليه وسلم الأنصار إلا من سمعت ، وأما إعطاؤه المهاجرين فلعله لكونهم غرباء فنزلت غربتهم منزلة السفر والجهاد ، ولما أشير إلى نفي كون حصول ذلك بعملهم أشير إلى علة حصوله بقوله عزوجل : (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي ولكن سنته عزوجل جارية على أن يسلط رسله على من يشاء من أعدائهم تسليطا خاصا ، وقد سلط رسوله محمدا صلّى الله تعالى عليه وسلم على هؤلاء تسليطا غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايق الخطوب وتقاسوا شدائد الحروب فلا حق لكم في أموالهم ، ويكون أمرها مفوضا إليه صلّى الله تعالى عليه وسلم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيفعل ما يشاء كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة ، وأخرى على غيرها ، وقيل : الآية في فدك لأن بني النضير حوصروا وقوتلوا دون أهل فدك وهو خلاف ما صحت به الأخبار ، والواقع من القتال شيء لا يعتد به.
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٠)
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) بيان لحكم ما أفاءه الله تعالى على رسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم من قرى الكفار على العموم بعد بيان حكم ما أفاءه من بني النضير كما رواه القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عمر بن