يجب أن يتقى ؛ ويدخل ما سبق له الكلام دخولا أوليا كدخوله في العموم الأول ، وروي ذلك عن ابن جريج.
وأخرج الشيخان وأبو داود والترمذي وغيرهم عن ابن مسعود أنه قال : «لعن الله تعالى الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى» فبلع ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن : فأتته فقالت : بلغني أنك لعنت كيت وكيت ، فقال : ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وهو في كتاب الله عزوجل ، فقالت : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، قال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه ، أما قرأت قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)؟ قالت : بلى ، قال : فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم قد نهى عنه. وعن الشافعي أنه قال : سلوني عما شئتم أخبركم به من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال عبد الله بن محمد بن هارون: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال : قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عنه حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر». وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل الزنبور ، وهذا من غريب الاستدلال ، وفيه على علاته ـ ككلام ابن مسعود ـ حمل ما في الآية على العموم ، وعن ابن عباس ما يدل على ذلك أيضا ، قيل : والمعنى حينئذ ما آتاكم الرسول من الأمر فتمسكوا به وما نهاكم عن تعاطيه فانتهوا عنه ، والأمر جوز أن يكون واحد الأمور وأن يكون واحد الأوامر لمقابلة نهاكم له ، قيل : والأول أقرب لأنه لا يقال : أعطاه الأمر بمعنى أمره إلا بتكلف كما لا يخفى ، واستنبط من الآية أن وجوب الترك يتوقف على تحقق النهي ولا يكفي فيه عدم الأمر فما لم يتعرض له أمرا ولا نهيا لا يجب تركه (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) قال الزمخشري : بدل من قوله تعالى : (لِذِي الْقُرْبى) والمعطوف عليه ، والذي منع الإبدال من (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) وما بعد وإن كان المعنى لرسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم أن الله عزوجل أخرج رسوله عليه الصلاة والسلام من الفقراء في قوله سبحانه : و (يَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وأنه يترفع برسول الله عليه الصلاة والسلام عن التسمية بالفقير ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عزوجل ، وهذا كما لا يجوز أن يوصف سبحانه بعلامة لأجل التأنيث لفظا لأن فيه سوء أدب انتهى.
وعنى أنه بدل كل من كل لاعتبار المبدل منه مجموع ما ذكر ، قال الإمام : فكأنه قيل : أعني بأولئك الأربعة هؤلاء الفقراء والمهاجرين ، وما ذكر من الإبدال من (لِذِي الْقُرْبى) وما بعده مبني على قوله الحنفية إنه لا يعطى الغني من ذوي القربى وإنما يعطى الفقير ، ومن يرى كالشافعي أنه يعطى غنيهم كما يعطى فقيرهم خص الإبدال باليتامى وما بعده ، وقيل : يجوز ذلك أيضا إلا أنه يقول بتخصيص اعتبار الفقر بفيء بني النضير فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعط غنيا شيئا منه ، والآية نازلة فيه وفيه تعسف ظاهر.
وفي الكشف أن (لِلْفُقَراءِ) ليس للقيد بل بيانا للواقع من حال المهاجرين وإثباتا لمزيد اختصاصهم كأنه قيل : لله وللرسول وللمهاجرين ، وقال ابن عطية : (لِلْفُقَراءِ) إلخ بيان لقوله تعالى : (الْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وكررت لام الجر لما كان ما تقدم مجرورا بها لتبيين أن البدل هو منها ، وقيل : اللام متعلقة بما دل عليه قوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) كأنه قيل : ولكن يكون للفقراء المهاجرين.
وسيأتي إن شاء الله تعالى ما خطر لنا في ذلك من الاحتمال بناء على ما يفهم من ظاهر كلام عمر بن الخطاب بمحضر جمع من الأصحاب (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) حيث اضطرهم كفار مكة وأحوجوهم إلى