القيامة ، فالمجيء إما إلى الوجود أو إلى الإيمان ، وضمير (مِنْ بَعْدِهِمْ) للفريقين المهاجرين والأنصار ، وهذا هو الذي يدل عليه كلام عمر رضي الله تعالى عنه وكلام كثير من السلف كالصريح فيه ، فالآية قد استوعبت جميع المؤمنين ، وجملة قوله تعالى : (يَقُولُونَ) إلخ حالية ، وقيل : استئناف (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا) أي في الدين الذي هو أعز وأشرف عندهم من النسب (الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) وصفوهم بذلك اعترافا بفضلهم (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) أي حقدا ، وقرئ غمرا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) على الإطلاق (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي مبالغ في الرأفة والرحمة. فحقيق بأن تجيب دعاءنا ، وفي الآية حث على الدعاء للصحابة وتصفية القلوب من بغض أحد منهم ، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وجماعة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية (وَالَّذِينَ جاؤُ) إلخ.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رجلا وهو يتناول بعض المهاجرين فدعاه فقرأ عليه (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) الآية ، ثم قال : هؤلاء المهاجرون أفمنهم أنت؟ قال : لا ، ثم قرأ عليه (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) الآية ، ثم قال : هؤلاء الأنصار أفمنهم أنت؟ قال : لا ، ثم قرأ عليه (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) الآية ، ثم قال : أفمن هؤلاء أنت؟ قال : أرجو قال : لا والله ليس من هؤلاء من سب هؤلاء.
وفي رواية أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه بلغه أن رجلا نال من عثمان رضي الله تعالى عنه فدعاه فقرأ عليه الآيات وقال له ما قال ، وقال الإمام مالك : من كان له في أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قول سيئ أو بغض فلا حظّ له في الفيء أخذا من هذه الآية ، وفيها ما يدل على ذم الغل لأحد من المؤمنين ، وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : في أيام ثلاثة يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع فيها رجل من الأنصار فبات معه عبد الله بن عمرو بن العاص ثلاث ليال مستكشفا حاله فلم ير له كثير عمل فأخبره الخبر فقال له : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلا لأحد من المسلمين ولا أحسده على خير أعطاه الله تعالى إياه فقال له عبد الله : هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ـ وفي رواية ـ أنه قال : لو كانت الدنيا لي فأخذت مني لم أحزن عليها ولو أعطيتها لم أفرح بها وأبيت وليس في قلبي غل على أحد فقال عبد الله : لكني أقوم الليل وأصوم النهار ولو وهبت لي شاة لفرحت بها ولو ذهبت لحزنت عليها والله لقد فضلك الله تعالى علينا فضلا بيّنا» هذا وذهب بعضهم إلى أن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا) إلخ مبتدأ ، وجملة (يُحِبُّونَ) إلخ خبره ، والكلام استئناف مسوق لمدح الأنصار ، وجوز كون ذلك معطوفا على (أُولئِكَ) فيفيد شركة الأنصار للمهاجرين في الصدق ، وجملة (يُحِبُّونَ) إلخ إما استئناف مقرر لصدقهم أو حال من ضمير (تَبَوَّؤُا) وإلى أن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ) إلخ مبتدأ ، وجملة (يَقُولُونَ) إلخ خبره ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة مسوقة لمدح هؤلاء بمحبتهم من تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الأخوة في الدين والسبق بالإيمان كما أن ما عطفت عليه من الجملة السابقة لمدح الأنصار.
واستدل لعدم عطف (الَّذِينَ تَبَوَّؤُا) على (الْمُهاجِرِينَ) بما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم أموال بني النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة كما تقدم ، وقال عليه الصلاة والسلام لهم : إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم من هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقالوا : بل نقسم لهم ـ أي للمهاجرين ـ من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها» فنزلت الآية (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) إلى آخره ، وبعض القائلين بالعطف يقولون : إن قوله تعالى :