بها والحثّ عليها ؛ فكانت واردة بمعلوم على معلوم ، وسقط ما ظنّه هؤلاء من الموهوم.
المسألة الثانية ـ (وَيُقِيمُونَ) ؛ فيه قولان :
الأول يديمون فعلها في أوقاتها ، من قولك : شيء قائم ، أى دائم.
والثاني معناه يقيمونها بإتمام أركانها واستيفاء أقوالها وأفعالها ، وإلى هذا المعنى أشار بقوله : من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (١) : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في اشتقاق النفقة ، وهي عبارة عن الإتلاف ، ولتأليف «نفق» في لسان العرب معان ، أصحّها الإتلاف ، وهو المراد هاهنا ، يقال نفق (٢) [٦] الزاد ينفق إذا فنى ، وأنفقه صاحبه : أفناه ، وأنفق القوم : فنى زادهم ، ومنه قوله تعالى (٣) : (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ).
المسألة الثانية ـ في وجه هذا الإتلاف ؛ وذلك يختلف ، إلا أنّه لما اتّصل بالمدح تخصّص (٤) من إجماله جملة. وبعد ذلك التخصيص اختلف العلماء فيه على خمسة أقوال :
الأول أنه الزكاة المفروضة ـ عن ابن عباس.
الثاني أنه نفقة الرجل على أهله ـ قاله ابن مسعود.
الثالث صدقة التطوّع ـ قاله الضحاك.
الرابع أنه وفاء الحقوق الواجبة العارضة في المال باختلاف الأحوال ما عدا الزكاة.
الخامس أنّ ذلك منسوخ بالزكاة.
(التوجيه) أما وجه من قال : «إنه الزكاة» فنظر إلى أنّه قرن بالصلاة ، والنفقة المقترنة [في كتاب الله تعالى] (٥) بالصلاة هي الزكاة.
وأما من قال : إنه النفقة على عياله فلأنه أفضل النفقة. روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل : عندي دينار. قال : أنفقه على نفسك. قال : عندي آخر. قال : أنفقه على أهلك ، وذكر الحديث ، فبدأ بالأهل بعد النفس.
__________________
(١) الآية الثالثة.
(٢) الفعل كفرح ونصر.
(٣) سورة الإسراء : ١٠٠
(٤) في م : تخصيص.
(٥) ليس في م.