وفي الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصدقة على القرابة صدقة وصلة.
وأما من قال : إنه صدقة التطوّع فنظر إلى أنّ الزكاة لا تأتى إلا بلفظها المختصّ بها ، وهو الزكاة ، فإذا جاءت بلفظ الصدقة (١) احتملت الفرض والتطوّع ، وإذا جاءت بلفظ الإنفاق لم يكن إلّا التطوع.
وأما من قال : إنه في الحقوق العارضة في الأموال ما عدا الزكاة فنظر إلى أنّ الله تعالى لمّا قرنه بالصلاة كان فرضا ، ولما عدل عن لفظها كان فرضا سواها.
وأما من قال : إنه منسوخ فنظر إلى أنه لما كان بهذا الوجه فرضا سوى الزكاة ، وجاءت الزكاة المفروضة فنسخت كلّ صدقة جاءت في القرآن ، كما نسخ صوم رمضان كلّ صوم ، ونسخت الصلاة كلّ صلاة ، ونحو هذا جاء في الأثر.
(لتنقيح) إذا تأمّل اللبيب المنصف هذه التوجيهات تحقّق أن الصحيح المراد (٢) بقوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) كلّ غيب أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كائن. وقوله : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) عامّ في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا. وقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) عامّ في كلّ نفقة ، وليس في قوّة هذا الكلام القضاء بفرضيّة ذلك كلّه ، وإنما علمنا الفرضيّة في الإيمان والصلاة والنفقة من دليل آخر ، وهذا القول بمطلقه يقتضى مدح ذلك كله خاصة كيفما كانت صفته.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٣) : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ).
المراد بهذه الآية وما بعدها المنافقون الذين أظهروا الإيمان ، وأسرّوا الكفر ، واعتقدوا أنهم يخدعون الله تعالى ، وهو منزّه عن ذلك ؛ فإنه لا يخفى عليه شيء. وهذا دليل على أنهم لم يعرفوه ، ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع ، وقد تكلمنا عليه في موضعه.
والحكم المستفاد هاهنا أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين مع علمه بهم وقيام الشهادة عليهم أو على أكثرهم.
واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
__________________
(١) في القرطبي : فإذا جاءت بلفظ غير الزكاة
(٢) في ا : أن الصحيح أن المراد
(٣) الآية الثامنة.