المعقول ، والإيمان بالقلوب الغائبة عن الخلق ، ويكون موضع المجرور على هذا رفعا ، وعلى التقدير الأول يكون نصبا ، كقولك : مررت بزيد. ويجوز أن يكون الأول مقدّرا نصبا ، كأنه يقول : جعلت قلبي محلّا للإيمان ، وذلك الإيمان بالغيب عن الخلق.
وكلّ هذه المعاني صحيحة لا يحكم له بالإيمان ولا بحمى الذمار ، ولا يوجب له الاحترام ، إلّا باجتماع هذه الثلاث ؛ فإن أخلّ بشيء منها لم يكن له حرمة ولا يستحقّ عصمة.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قال علماؤنا : في ذكر الصلاة في هذه الآية قولان :
أحدهما أنها مجملة ، وأنّ الصلاة لم تكن معروفة عندهم حتى بيّنها النبىّ صلى الله عليه وسلم.
الثاني أنها عامّة في متناول الصلاة حتى خصّها النبىّ صلى الله عليه وسلم بفعله المعلوم في الشريعة.
وقد استوفينا القول في ذلك عند ذكر أصول الفقه.
والصحيح عندي أنّ كلّ لفظ عربىّ يرد مورد التكليف في كتاب الله عزّ وجلّ مجمل موقوف بيانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلّا أن يكون معناه متحدا (٢) لا يتطرّق إليه اشتراك ؛ فإن تطرّق إليه اشتراك ، واستأثر الله عزّ وجلّ برسوله صلى الله عليه وسلم قبل بيانه ، فإنه يجب طلب ذلك في الشريعة على مجمله ، فلا بدّ أن يوجد ، ولو فرضنا عدمه لارتفع التكليف به ، وذلك تحقّق في موضعه.
وقد قال عمر رضى الله عنه في دون هذا أو مثله : ثلاث وددت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها عهدا تنتهي إليه : الجدّ ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الرّبا.
فتبيّن من هذا أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أسرى به ، وفرض عليه الصلاة ، ونزل سحرا جاءه جبريل عليه السّلام عند صلاة الظهر فصلّى به وعلّمه ، ثم وردت الآيات بالأمر
__________________
(١) الآية الثالثة.
(٢) هكذا في ا ، م. ولعله : محدودا.