فانتفوا من ذلك ، وسألوا موسى عليه السّلام أن يحكم بينهم برغبة إلى الله تعالى في تبيين الحقّ لهم ؛ فدعا موسى عليه السّلام ربّه تعالى ؛ فأمرهم بذبح بقرة وأخذ عضو من أعضائها يضرب به الميت فيحيا فيخبرهم بقاتله ؛ فسألوا عن أوصافها وشدّدوا فشدّد الله سبحانه عليهم حتى انتهوا إلى صفتها المذكورة في القرآن ، فطلبوا تلك البقرة فلم يجدوها إلّا عند رجل برّ بأبويه أو بأحدهما ؛ فطلب منهم فيها مسكها (١) مملوءا ذهبا ، فبذلوه فيها ، فاستغنى ذلك الرجل بعد فقره ، وذبحوها فضربوه ببعضها ، فقال : فلان قتلني ، لقاتله.
المسألة الثانية ـ في الحديث (٢) عن بنى إسرائيل.
كثر استرسال العلماء في الحديث عنهم في كلّ طريق ، وقد ثبت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : حدّثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج. ومعنى هذا [الخبر] (٣) الحديث عنهم بما يخبرون [به] (٤) عن أنفسهم وقصصهم لا بما يخبرون به عن غيرهم ؛ لأن أخبارهم عن غيرهم مفتقرة إلى العدالة والثبوت إلى منتهى الخبر ، وما يخبرون به عن أنفسهم فيكون من باب إقرار المرء على نفسه أو قومه ؛ فهو أعلم (٥) بذلك. وإذا أخبروا عن شرع لم يلزم قوله ؛ ففي رواية مالك عن عمر رضى الله عنه أنه قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أمسك مصحفا قد تشرّمت حواشيه ، فقال : ما هذا؟ قلت : جزء من التّوراة ؛ فغضب وقال : والله لو كان موسى حيّا ما وسعه إلا اتّباعى.
المسألة الثالثة ـ أخبرهم (٦) سبحانه في هذه القصة عن حكم جرى في زمن موسى عليه السلام ، هل يلزمنا حكمه أم لا؟ اختلف الناس في ذلك ، والمسألة تلقب بأن شرع من قبلنا من الأنبياء هل هو شرع لنا حتى يثبت نسخه أم لا؟ في ذلك خمسة أقوال :
الأول ـ أنه شرع لنا ولنبينا ؛ لأنه كان متعبّدا بالشريعة معنا ، وبه قال طوائف من المتكلمين وقوم من الفقهاء ؛ واختاره الكرخي ، ونصّ عليه ابن بكير القاضي من علمائنا.
وقال القاضي عبد الوهاب : هو الذي تقتضيه أصول مالك ومنازعه في كتبه ، وإليه ميل الشافعى رحمه الله.
__________________
(١) المسك : الجلد.
(٢) هنا في هامش م : مسألة في الحديث عن بنى إسرائيل.
(٣ ـ ٤) ليس في م.
(٥) في م : فهو أخبر بذلك.
(٦) في هامش م هنا : مسألة في شرع من قبلنا.