والصحيح منعه لقوله عليه السلام : إنا لا نستعين بمشرك. وأقول : إن كانت في ذلك فائدة محقّقة فلا بأس به.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (١) : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً).
فيه قولان :
أحدهما ـ إلا أن تخافوا منهم ، فإن خفتم منهم فساعدوهم ووالوهم وقولوا ما يصرف عنكم من شرهم وأذاهم بظاهر منكم لا باعتقاد ؛ يبيّن ذلك قوله تعالى (٢) : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) على ما يأتى بيانه إن شاء الله.
الثاني ـ أنّ المراد به إلا أن يكون بينكم وبينه قرابة فصلوها بالعطية ، كما روى أنّ أسماء قالت للنبي صلّى الله عليه وسلّم (٣) : إنّ أمى قدمت علىّ وهي مشركة وهي راغبة أفأصلها؟ قال : نعم. صلى أمّك.
وهذا وإن كان جائزا في الدين فليس بقوىّ في معنى الآية وإنما فائدتها ما تقدّم في القول الأول. والله أعلم.
الآية الخامسة ـ قوله تعالى (٤) : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ : رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي ، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).
فيها عشر مسائل :
المسألة الأولى ـ في حقيقة النّذر ، وهو التزام الفعل بالقول مما يكون طاعة لله عزّ وجلّ ، من (٥) الأعمال قربة.
ولا يلزم نذر المباح. والدليل عليه ما روى في الصحيح (٦) أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى أبا إسرائيل قائما : فسأل عنه فقالوا : نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ويصوم(٧) ، فقال
__________________
(١) من الآية السابقة.
(٢) سورة النحل ، آية : ١٠٦
(٣) مسلم : ٦٩٦
(٤) الآية الخامسة والثلاثون.
(٥) في ا : ومن الأعمال.
(٦) البخاري : ٨ ـ ١٧٨
(٧) في البخاري : نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه.