العليم. وذلك لأنها كانت لا ولد لها ، فلما حملت نذرت إن الله أكمل لها الحمل ووضعته فإنه حبس على بيت المقدس (١).
المسألة الرابعة ـ قال أشهب عن مالك : جعلته نذرا تفي به. قالوا : فلما وضعتها ربّتها حتى ترعرعت ، وحينئذ أرسلتها.
وقيل : لفّتها في خرقها وقالت : ربّ إنى وضعتها أنثى ، وليس الذكر كالأنثى ، وقد سميتها مريم ، وإنى أعيذها بك وذرّيّتها من الشيطان الرجيم ، وأرسلتها إلى المسجد وفاء بنذرها ، كما أشار إليه مالك ، وتبرّيا منها حين حررتها لله ، أى خلصتها.
والمحرر والحرّ : هو الخالص من كل شيء.
المسألة الخامسة ـ لا خلاف أنّ امرأة عمران لا يتطرّق إلى حملها نذر لكونها حرّة ، فلو كانت امرأته أمة فلا خلاف أنّ المرء لا يصحّ له نذر ولده كيف ما تصرفت حاله ؛ فإنه إن كان الناذر عبدا لم يتقرر له قول في ذلك ، وإن كان الناذر حرّا فولده لا يصحّ أن يكون مملوكا له ؛ وكذلك المرأة مثله ؛ وأى وجه للنذر فيه؟
وإنما معناه ـ والله أعلم ـ أنّ المرء إنما يريد ولده للأنس به والاستبصار والتسلّى والمؤازرة ؛ فطلبت المرأة الولد أنسا به وسكونا إليه ، فلما منّ الله تعالى عليها به نذرت أنّ حظّها من الأنس به متروك فيه ؛ وهو على خدمة الله تعالى موقوف. وهذا نذر الأحرار من الأبرار ، وأرادت به محرّرا من جهتي ، محررا من رقّ الدنيا وأشغالها. فتقبّله منّى.
وقد قال رجل من الصوفية لأمّه : يا أمّاه ؛ ذريني لله أتعبّد له وأتعلّم العلم. فقالت : نعم ، فسار حتى تبصّر ثم عاد إليها فدقّ الباب ، فقالت : من؟ قال : ابنك فلان. قالت : قد تركناك لله ولا نعود فيك.
المسألة السادسة ـ قوله : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى).
يحتمل أن تريد به في كونها تحيض ولا تصلح في تلك الأيام للمسجد. ويحتمل أن تريد بها أنها امرأة فلا تصلح لمخالطة الرجال ؛ وعلى كلّ تقدير فقد تبرّأت منها ، ولعلّ الحجاب لم يكن عندهم كما كان في صدر الإسلام.
__________________
(١) في ابن كثير (١ ـ ٣٥٩) : امرأة عمران هذه هي أم مريم عليها السلام ، وهي حنة بنت فاقوذ.