لا يلزمها تخليصه من مأثم الدين وعار الاقتضاء ، فدين الله أحق بالقضاء ؛ وهذه الكلمة أقوى [٩٨] ما في الحديث ، فإنه جعله دينا ، ولكن لم يرد به هذا الشخص المخصوص ، فإنما أراد به دين الله إذا وجب فهو أحقّ بالقضاء ، والتطوع به أولى من الابتداء.
والدليل على أنّ الحجّ في هذا الحديث ليس بفرض ما صرّحت به المرأة في قولها : إنّ فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، وهذا تصريح بنفي الوجوب ومنع الفريضة ، ولا يجوز ما انتفى في أول الحديث قطعا أن يثبت في آخره ظنّا. يحققه أنّ دين الله أحق أن يقضى ليس على ظاهره بإجماع ؛ فإنّ دين العبد أولى بالقضاء ، وبه يبدأ إجماعا لفقر الآدمي واستغناء الله تعالى ، فيتعيّن الغرض الذي أشرنا إليه ، وهو تأكيد ما ثبت في النفس من البر حياة وموتا وقدرة وعجزا ، والله أعلم.
المسألة العاشرة ـ إذا لم يكن للمكلّف قوت يتزوّده في الطريق لم يلزمه الحجّ إجماعا ، وإن وهب له أجنبى ما لا يحجّ به لم يلزمه قبوله إجماعا ، ولو كان رجل وهب أباه مالا قال الشافعى : يلزمه قبوله ؛ لأنّ ابن الرجل من كسبه ولا منّة عليه في ذلك منه ، لأنّ الولد يجازى الوالد عن نعمه لا يبتدئه بعطية.
قال مالك وأبو حنيفة : لا يلزمه قبوله ؛ لأنّ هبة الولد لو كانت جزاء لقضى بها عليه قبل أن يتطوّع بها ، ثم إن لم تكن فيه منّة ففيه سقوط الحرمة ، وحق الأبوة ؛ لأنه نوع منه ؛ لأنه لا يقال قد جزاه وقد وفاه.
المسألة الحادية عشرة ـ لا يسقط فرض الحج عن الأعمى لإمكان وصوله إلى البيت محمولا ؛ فيحصل له وصف الاستطاعة ، كما يحصل له فرض الجمعة بوجود قائد إليها ، ويلزم السعى لقضائها.
الآية السادسة عشرة ـ قوله تعالى (١) : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) :
فيها أربع مسائل :
__________________
(١) الآية الثالثة بعد المائة.