المسألة الأولى ـ الحبل : لفظ لغوى ينطلق على معان كثيرة ؛ أعظمها السبب الواصل بين شيئين.
وهو هاهنا مما اختلف العلماء فيه ؛ فمنهم من قال : هو عهد الله ، وقيل : كتابه ، وقيل : دينه ؛ وقد روى الأئمة في الصحيح أنّ رجلا جاء إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر له حديث (١) رؤيا الظلّة التي تنطف عسلا وسمنا ، وفيه قال : ورأيت شيئا واصلا من السماء إلى الأرض ... الحديث إلى آخره ، وعبّر الصدّيق بحضرته عليه السلام ، فقال : وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحقّ الذي أنت عليه ، فضرب الله تعالى على يدي ملك الرؤيا مثلا للحقّ الذي بعث به الأنبياء بالحبل الواصل بين السماء والأرض ، وهذا لأنهما جميعا ينيران بمشكاة واحدة.
المسألة الثانية ـ إذا ثبت هذا فالأظهر أنه كتاب الله ، فإنه يتضمّن عهده ودينه.
المسألة الثالثة ـ التفرق المنهي عنه يحتمل ثلاثة أوجه :
الأول ـ التفرق في العقائد ، لقوله تعالى (٢) : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
الثاني ـ قوله عليه السلام (٣) : لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ويعضده قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً).
الثالث ـ ترك التخطئة في الفروع والتبرّى فيها ، وليمض كلّ أحد على اجتهاده ؛ فإنّ الكلّ بحبل الله معتصم ، وبدليله عامل ؛ وقد قال صلّى الله عليه وسلّم : لا يصلينّ أحد منكم العصر إلّا في بنى قريظة ؛ فمنهم من حضرت العصر فأخّرها حتى بلغ بنى قريظة أخذا بظاهر قول النبي صلّى الله عليه وسلّم. ومنهم من قال [٩٩] : لم يرد هذا منّا ، يعنى وإنما أراد الاستعجال فلم يعنف النبىّ عليه السلام أحدا منهم.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٧٧٧
(٢) سورة الشورى ، آية ١٣
(٣) صحيح مسلم : ١٩٨٣