المسألة الثالثة ـ المراد بقوله : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) جميع أصحابه ؛ ورأيت بعضهم قال : المراد به أبو بكر وعمر.
ولعمر الله إنهم أهل لذلك وأحقّ به ، ولكن لا يقصر ذلك عليهم ، فقصره عليهم دعوى.
وقد ثبت في السير أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه : أشيروا علىّ في المنزل. فقال الحباب بن المنذر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أرأيت هذا المنزل ، أمنزل أنزلكه الله؟ فليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخره أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : بل هو الرأى والحرب والمكيدة. قال : فإنّ هذا ليس بمنزل ؛ انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم ... إلى آخره.
الآية الثالثة والعشرون ـ قوله تعالى (١) : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
فيها ثماني مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها : وفيها ثلاثة أقوال :
الأول ـ روى أن قوما من المنافقين اتهموا النبي صلّى الله عليه وسلّم بشيء من المغانم ، وروى أنّ قطيفة حمراء فقدت ، فقال قوم : لعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذها ، وأكثروا في ذلك ، فأنزل الله سبحانه الآية.
الثاني ـ أنّ قوما (٢) غلّوا من المغنم أو همّوا [١٠٣] ، فأنزل الله الآية فيما همّوا ونهاهم عن ذلك ، رواه الترمذي.
الثالث ـ نهى الله أن يكتم شيئا من الوحى. والصحيح هو القول الثاني.
المسألة الثانية ـ في حقيقة الغلول :
اعلموا ـ وفّقكم الله ـ أنّ غلّ ينصرف في اللغة على ثلاثة معان :
الأول ـ خيانة مطلقة. الثاني ـ في الحقد ، يقال في الأول تغل بضم الغين ، وفي الثاني بغل ـ بكسر الغين.
__________________
(١) الآية الواحدة والستون بعد المائة.
(٢) ابن كثير : ١ ـ ٤٢١