الثالث ـ أنه خيانة الغنيمة ؛ وسمى بذلك لوجهين : أحدهما لأنه جرى على خفاء. الثاني قال ابن قتيبة : كان أصله من خان فيه إذا أدخله في متاعه فستره فيه.
ومنه الحديث : لا إغلال (١) ولا إسلال. وفيه تفسيران :
أحدهما ـ أنّ الإغلال خيانة المغنم ، والإسلال : السرقة مطلقة.
الثاني ـ أنّ الإغلال والإسلال السرقة.
والصحيح عندي أن الإغلال خيانة المغنم ، والإسلال سرقة الخطف من حيث لا تشعر ، كما يفعل سودان مكّة اليوم.
المسألة الثالثة ـ في القراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم يغل بضم الغين ، وفتحها الباقون ، وهما صحيحتان قراءة ومعنى.
المسألة الرابعة ـ في معنى الآية :
فأما من قرأها بضم الغين فمعناه : ما كان لنبىّ أن يخون في مغنم ؛ فإنه ليس بمتّهم. ولا في وحى ، فإنه ليس بظنين ولا ضنين ، أى ليس بمتهم عليه ولا بخيل فيه ، فإنه إذا كان أمينا حريصا على المؤمنين فكيف يخون وهو يأخذ ما أحبّ من رأس الغنيمة ويكون له فيه سهم الصفىّ (٢) ؛ إذا كان له أن يصطفى من رأس الغنيمة ما أراد ، ثم يأخذ الخمس وتكون القسمة بعد ذلك؟ فما كان ليفعل ذلك كرامة أخلاق وطهارة أعراق ، فكيف مع مرتبة النبوة وعصمة الرسالة.
ومن قرأ يغل ـ بنصب الغين فله أربعة معان :
الأول ـ يوجد غالّا ، كما تقول : أحمدت فلانا.
الثاني ـ ما كان لنبي أن يخونه أحد ، وقد روى أنّ هذا تلى على ابن عباس ، وفسر بهذا علىّ وابن مسعود. فقال : نعم ويقتل.
وهذا لا يصحّ عندنا ؛ فإن باعه في العلم والتفسير لا يبوعه (٣) أحد من الخلق ، فإنه ليس المعنى بقوله : وما كان لنبىّ أن يغل ـ بفتح الغين ، أن يخونه أحد وجودا ، إنما المراد
__________________
(١) في ا : لا إقلال.
(٢) الصفي من الغنيمة : ما اختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة.
(٣) لا يبوعه : يريد لا يجاريه.