به أن يخونه أحد شرعا ، نعم يكون ذلك فيهم فجورا وتعدّيا ، وخص النبي صلّى الله عليه وسلّم بالذكر تعظيما لقدره ، وإن كان غيره أيضا لا يجوز أن يخون ، ولكن هو أعظم حرمة.
الثالث ـ ما كان لنبىّ أن يتهم فإنه مبرّأ من ذلك ، وهذا يدل على بطلان قول من قال : إنّ شيطانا لبّس على النبي صلّى الله عليه وسلّم الوحى وجاءه في صورة ملك ، وهذا باطل قطعا.
وقد بيناه في المشكلين ، وخصصناه برسالة سميناها بكتاب تنبيه النبىّ على مقدار النبي ، وسنذكرها في سورة الحج إن شاء الله تعالى.
الرابع ـ ما كان لنبي أن يغل ـ بفتح الغين ، ولا يعلم ، وإنما يتصوّر ذلك في غير النبي صلّى الله عليه وسلّم ؛ أما النبىّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا خانه أحد أطلعه الله سبحانه عليه.
وهذا أقوى وجوه هذه الآية فقد ثبت في الصحيح أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم كان على ثقله رجل يقال له كركرة فمات ، فقال النبىّ عليه السلام : هو في النار ، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوه قد غلّ عباءة.
وقد روى أبو داود وغيره ، وفي الموطأ أنّ رجلا أصيب يوم خيبر فذكروه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : صلّوا على صاحبكم ، فتغيّرت وجوه القوم. فقال صلّى الله عليه وسلّم : والذي نفسي بيده إنّ الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا.
وفي رواية فقال : إن صاحبكم قد غلّ في [١٠٤] سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ما يساوى درهمين.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
روى البخاري وغيره عن أبى هريرة قال (١) : قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا فذكر الغلول وعظّمه ، وقال : لا ألفينّ أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، وعلى رقبته فرس لها حمحمة يقول : يا رسول الله ، أغثنى. فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلّغت ... الحديث.
المسألة السادسة ـ إذا غلّ الرجل في المغنم فوجدناه أخذناه منه وأدّبناه خلافا للأوزاعى وأحمد وإسحاق من الفقهاء ، وللحسين من التابعين ، حيث قالوا : يحرق رحله إلا الحيوان والسلاح.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٤٦١ ، وابن كثير : ١ ـ ٤٢١ ، وقال : لم يروه أحد من أهل الكتب الستة.