ولو قال ربنا تبارك وتعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين وثلاثا وأربعا لما خرج من ذلك جواز نكاح التسع ؛ لأنّ مقصود الكلام ونظام المعنى فيه : فلكم نكاح أربع ، فإن لم تعدلوا فثلاثة ، فإن لم تعدلوا فاثنتين ؛ فإن لم تعدلوا فواحدة ؛ فنقل العاجز عن هذه الرتب إلى منتهى قدرته ، وهي الواحدة من ابتداء الحلّ ، وهي الأربع ، ولو كان المراد تسع نسوة لكان تقدير الكلام : فانكحوا تسع نسوة ، فإن لم تعدلوا فواحدة ، وهذا من ركيك البيان الذي لا يليق بالقرآن ، لا سيما وقد ثبت (١) من رواية أبى داود والدارقطني وغيرهما أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قال لغيلان الثقفي حين أسلم ، وتحته عشر نسوة : اختر منهنّ أربعا وفارق سائرهنّ.
المسألة التاسعة ـ من البيّن على من رزقه الله تعالى فهما في كتاب الله أنّ العبد لا مدخل له في هذه الآية في نكاح أربع ؛ لأنها خطاب لمن ولى وملك وتولّى وتوصّى ، وليس للعبد شيء من ذلك ، لأنّ هذه صفات الأحرار المالكين الذين يلون الأيتام تحت نظرهم ؛ ينكح إذا رأى ، ويتوقّف إذا أراد. ثم قال الشافعى : لا ينكح إلا اثنتين ، وبه قال مالك في إحدى روايتيه ، وفي مشهور قوليه إنه يتزوّج أربعا من دليل آخر ، وذلك مبيّن في مسائل الخلاف. المسألة العاشرة ـ قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا).
قال علماؤنا : معناه في القسم بين الزوجات والتسوية في حقوق النكاح ، وهو فرض ، وقد كان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم يعتمده ويقدر عليه ويقول : إذا فعل الظاهر من ذلك في الأفعال ووجد قلبه الكريم السليم يميل إلى عائشة : اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ، يعنى قلبه ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يكلّف أحدا صرف قلبه عن ذلك ، لما فيه من المشقة ، وربما فات القدرة ؛ وأخذ الخلق باعتداد الظاهر لتيسّره على العاقل ، فإذا قدر الرجل من ماله ومن بنيته على نكاح أربع فليفعل ، وإذا لم يحتمل ماله ولا بنيته في الباءة ذلك فليقتصر على ما يقدر عليه ، ومعلوم أنّ كلّ من كانت عنده واحدة أنه إن نالها فحسن وإن قعد عنها هان ذلك عليها ، بخلاف أن تكون عنده أخرى فإنه إذا أمسك عنها اعتقدت أنه يتوفّر للأخرى ، فيقع النزاع وتذهب الألفة.
__________________
(١) ابن كثير : ١ ـ ٤٥٠